حرية التعبير والسلطة العربية

Warning: Undefined variable $post in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81 Warning: Attempt to read property "ID" on null in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81

ثورة التكنولوجيا و تكنولوجيا الثورات

revolutionبقلم:  محمد عزالدين الصندوق

التكنولوجيا واحدة من أبرز الأنشطة الإبداعية الإنسانية خلال القرن العشرين إلى جانب العلم. و قد تُمثل المرحلة الرابعة من مراحل تطور الفكر الإنساني بعد المرحلة العلمية. شملت التكنولوجيا كافة جوانب الحياة مهما كانت ابتداءً من قدح الماء إلى مركبات غزو الفضاء. ومن يملك التكنولوجيا يملك القوة و السيطرة. ولقد قادت الثورات التكنولوجية السريعة إلى تطورات اجتماعية هائلة. و أخذت وتيرة الحياة بالتسارع في كافة مناحيها. لقد جعلت التكنولوجيا العالم قرية صغيرة و زادت من معدل الأعمار و ازدادت حدة المنافسة و لم يعد بإمكانك مواكبة التطورات المتلاحقة لأي مخلوق تكنولوجي …التكنولوجيا هي تطبيق لمبدأ علمي و كأي تطبيق قد يكون سلاحا ذو حدين. رغم النعم و المنافع الحضارية للمنجزات التكنولوجية فان هناك الكثير ممن أساء استخدامها.  ولو تناولنا عالم العبودية فان السادة لا يستطيعون السيطرة على عبيدهم من دون وسائل ضغط مادية و معنوية. و هنا تلعب التكنولوجيا دورها المزدوج كذلك في توفير الإمكانيات للاستعباد أو للتحرر. و سواء كان المُستعبِد فردا أو قائدا سياسيا أو ايدولوجيا (غسالة للعقول) أو دولا فكلهم يطمحون للحصول على أقصى إمكانيات التكنولوجيا للسيطرة على مُستَعبِديهم.

لقد استخدم الضباط الأحرار والثوريون العرب في القرن الماضي السلاح لتحقيق ثوراتهم و “تحرير” شعوبهم من أنظمة مُستعبِدة كما كان يُعرض في ديباجة البيان الأول للثورة. كانت تلك هي المرحلة الأولى من الثورة أما المرحلة اللاحقة فهي مرحلة ظهور المُنقذ والمُحرر وهنا تلعب تكنولوجيا الإعلام دوراً في غسل أدمغة المجتمعات. إن معظم المُنقذين العرب يستندون على ايدولوجيا سابقة كما هي في الأحزاب الحاكمة أو قد تتفتق عبقرية المُنقذ الجديد من ابتداع ايدولوجيا جديدة لتشكل الكرسي الوفير للحكم بعد السيطرة بالقوة. إذا تكنولوجيا السلاح و الإعلام كانتا أهم وسائل تحقيق الثورات العسكرية (التحررية).

مما كان يميز ثورات القرن الماضي أنها كانت تقوم بالقوة العسكرية و باسم الجماهير الكادحة و المظلومة أو التحرر من الاستعمار و عبوديته أو أو… و لكنها كانت تبني من جهة، و من جهة أخرى كانت  تُكرس عبودية جديدة و مفاهيم تخلقها الاديولوجيات فتشوه و تدمر المجتمع. و هكذا كانت تَركُد الثورات العربية و تأسن و من ثم لا بد من ثورة جديدة و سيد جديد و عبودية من نوع آخر. كما كانت هذه الثورات  العسكرية مُعدية و ظاهرة الضباط الأحرار أو المُحررين كانت تنتقل كالنار تحت الرماد من بلد عربي إلى آخر. كان زمن الانتقال يستغرق سنوات لان طبيعة مقومات الثورات تلك كانت تحتاج السرية والتنظيم والسلاح والمال و …و بالإضافة للدسائس و المؤامرات  لعبت التكنولوجيا العسكرية دورها في تحقيق تلك الثورات حتى لو لم يكن هُناك من موجب حقيقي لها قدر كونها طموحا لقائد عسكري يطمح ليكون سيدا جديدا أو لمجموعة حزبية تطمح للسيطرة.  إن الثورات العسكرية لم تتمكن من السيطرة من دون غطاء إيديولوجي لها تدَعي من خلاله تمثيلها للجماهير. و كان الإعلام المُسير من قبل الدولة (الثوار الجدد) يوفر هذه المهمة أما الجماهير الحقيقية فلم يكن لها دورا حقيقيا. الدور الحقيقي كان للجماهير المؤدلجة و التي عموما هم الأقلية الطامحة لتحقيق مبادئها أو للانتفاع من الوضع الجديد و كان الشارع مقياس لشعبية السلطة والشارع مُلك للسلطة. و لكن التنظيم الحقيقي لم يكن إلا بيد الأحزاب المسيطرة على الدولة والشارع. لقد كانت تلك الثورات تحقق انجازات محددة لتخلق إشكالات كبيرة و خطرة.

مشكلة المجتمعات العربية أنها غير قادرة على خلق نظام حكم ديناميكي يتطور مع الزمن بصورة سلسة من دون الحاجة إلى ثورات متتابعة و خسائر فادحة. و هذه هي ذاتها مشكلة عدم قدرة هذه المجتمعات على خلق التكنولوجيا المتطورة. كم ثورة حصلت و كم محاولة فشلت في العراق؟ و في سوريا؟ و مصر؟ و السودان؟ و ليبيا؟ و…. بعد كل ثورة يظهر مُنقذ جديد و ايدولوجيا جديدة و تعود القصة من جديد. و تعود من جديد قصة مصلحة الجماهير و النضال في سبيلها. إن الثورة السياسية ليست هدفا بحد ذاتها بل وسيلة غير طبيعية لتغيير واقع عصي على التغيير.

في القرن الحالي و في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ليس من السهل السيطرة على المجتمع إلا من خلال عزله عن العالم تكنولوجياً. وتفننت الدول العربية في السيطرة على شبكة الانترنيت وحجب المواقع الالكترونية وحجب القنوات الفضائية و مراقبة الهواتف و…

المجتمعات العربية لم تتمكن من صناعة الفرد المعاصر المنفتح ولكن التكنولوجيا المعاصرة وفرت لهذا الفرد وسيلة الانفتاح على العالم و لو بصورة نسبية. الجيل المعاصر المنفتح نسبيا على العالم لا يجد لديه ما يمكن به مواجهة الحقيقة القاسية والتي تُبين كونه جزء من مجتمع متخلف متراجع عن الحياة المعاصرة التي يلمسها لمس اليد يوميا من خلال التكنولوجيا المتوفرة. هذا من جهة ومن جهة أخرى وفرت هذه التكنولوجيا وسيلة اتصال هائلة و كبيرة و في مأمن عن عيون و رقابة السلطة أيا كان نوعها. في وضع كهذا تُثار و على صفحات الانترنيت تساؤلات كبيرة و نقاشات كثيرة متخطية الخطوط الحمر في مجتمعات أبوية مغلقة تُحرِم التسائل و تُبجل الطاعة والخضوع. في وضع كهذا لا يمكن للإيديولوجيات العصماء الصماء الحفاظ على هيبتها. في وضع كهذا لا يتمكن المناضلون القادة المنزهون من الحفاظ على هيبتهم وقدسيتهم. و من ثم لا يمكن للأحزاب المؤدلجة التحدث جُزافا باسم الجماهير كما كانت الحال سابقا و من ثم الأبطال المناضلين المنقذين يصعب ظهورهم بعد. و هكذا فان الايدولوجيا المُستعبِدة لا يمكنها أن تعيش إلا في المجتمعات المغلقة ذات الممنوعات الكثيرة. لم تنجح ثورة شعبية قامت في عموم العراق عام 1991 حيث لم يكن لدى العراقيين وقت ذاك أجهزة اتصال خلوي ولا انترنيت ولا لاقطات تلفزيون فضائية. وتمت عملية القضاء بإبادة وحشية بعيدا عن الرأي العام العالمي لم يُعرف هولها إلا بعد عام 2003.

الثورات التي تقوم بها المجتمعات العربية الآن استثمرت التكنولوجيا و من خلال الجيل الشاب الذي ألفها. التكنولوجيا الحديثة هذه متوائمة مع النظم الديمقراطية التي أوجدتها أساسا. وهكذا تسللت مندسة حرية الاتصال وتبادل الرأي لتشمل العالم وليس مجرد دول الابتكار فقط. و كما كانت الثورات العسكرية معدية و زمن العدوى كان على مقياس سنوي لتظهر في بلد آخر فان الثورات المعاصرة معدية كذلك بسبب وجود الاستعداد القوي و الكبير للعدوى إلا أن زمن الانتقال الآن بالأشهر أو الأسابيع و ليس السنين كما كانت الحال سابقا و ذلك يعود للتكنولوجيا التي سهلت التنظيم و لعدم الحاجة للمال والإمكانيات الكبيرة كما كانت سابقا. هذه الثورات الجديدة غير مؤدلجة و ليس لها بطل مناضل و لكن هذا لا يعني أنها غير قابلة للسرقة و التلوث. الثورات العسكرية القديمة حملت شعارات كبيرة ابعد ما تكون عن مفردات الحياة اليومية  للفرد و تناولت التحرر و الاستعمار و الصهيونية و..و..أما ثورات الشباب فإنها ثورات مطالب حياة يومية و تعرض معاناة حقيقية  إنها تطلب الحرية الحقيقية و ليست حرية الشعارات. مثل هذه الثورات النظيفة (المبدأ) التي يراها العالم كله من على شاشات التلفزيون ساعة بساعة تحصد التأيد العالمي و المتابعة المستمرة و لكن للأسف هذه الشعوب ما تزال غير قادرة على استثمار الثورات في بناء نموذج حكم ديمقراطي ديناميكي يحمي نفسه من الارتجاجات الخطرة. و هذا ما يشكل خطورة إمكانية ولادة نماذج مشوهة عن هذه الثورات. و كما كانت الحال مع سلسلة الثورات العسكرية العربية المتتابعة فان ثورات الشباب ربما ستكون مستمرة و ستبقى هذه المجتمعات على حافة بركان دائم الثوران حتى تتمكن هذه المجتمعات من بناء الفرد المعاصر الذي سيخلق النموذج المعاصر المنتقل عبر الزمن بسلاسة من دون ثورات و دماء و خسائر.

sibaradmin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *