الإسلام والعلمانية.. صدام مفتعل وبيان واجب

الإسلام والعلمانية.. صدام مفتعل وبيان واجب
Warning: Undefined variable $post in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81 Warning: Attempt to read property "ID" on null in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81
وسام فؤاد

زار رجب طيب أردوجان مصر، زارها في إطار رغبته في الخروج بتركيا عن الإطار الذي كانت تحاول الولايات المتحدة وضعها فيه كدولة وكيل عنها، وكغطاء إسلامي إقليمي لدولة الاحتلال. وأثناء زيارته لمصر فوجئ بتعالي صيحات الخلافة وتصدر تركيا لهذا المشهد، فما كان منه إلا أن لفت إلى أن علمانية تركيا كانت مدخلا لنجاحات تركيا الإقليمية.

تقييمي الخاص أن أردوجان كان يحاول التخلص من ورطة حاول الإسلاميون المصريون الشبان توريطه فيها ببراءة وعن غير قصد، وقطع أمل أي متربص بإسلاميته في تركيا. لكن كانت رسالة أردوجان للإسلاميين: أنا أدركت أن مفهوم العلمانية كان اجتهادا، واجتهدت في إعادة تعريفه. وعليكم يا إسلاميي مصر أن تتريثوا وأن تبحثوا عن مدخل اجتهادي مناسب لصون مصر.

وبرغم أن حزب العدالة والتنمية إسلامي، وبرغم أن إعادة تعريف حزب العدالة والتنمية لمفهوم العلمانية كان اجتهادا إسلاميا محضا؛ إلا أن مصر فوجئت بالدكتور عصام العريان يرفض هذا المفهوم. وهذا حقه. لكن رفضه يعيد للأذهان ذلك الصراع المفتعل والمتوهم الذي استهلك طاقة الأمة لفترة ليست بالقصيرة من دون التوقف للحظة لمحاولة فهم سر دق هذا الإسفين في العالم الإسلامي؛ والطريق الأمثل لمواجهته.

أجندات مؤجلة تحتاج لحسم هذه المواجهة المفتعلة بحاجة لأن تحسم؛ ونفرغ منها لأن عدم حسمها يجعلنا نؤجل عددا من الملفات التي ينبغي دفع كل من الإسلاميين والعلمانيين للحسم فيها. بعض هذه الملفات التي تحتاج لحسم يجتمع فيها كل من الإسلاميين والعلمانيين الذين يجمعهم معا وطن واحد، وأمة واحدة، تحتاج في محنتها إلى حالة وفاق عامة تجعل الجميع يقف، دون مزيد انقسام أو تمزق، متفقين على الكليات التي تحتاجها الأوطان للتخلص من مآزقها. والبعض الآخر من المفات متفرق، حيث إن على كل تيار ثقافي وسياسي أن يحسم عددا من الملفات التي تحتاج لحسم؛ إن سلبا أو إيجابا.

فعلى صعيد التيار الإسلامي؛ نجد أن مفهوم الدولة الإسلامية ينبغي حسمه، حيث لا يزال الإسلاميون يصرون على هذه الفكرة برغم أن التاريخ والنقاش تجاوزانها منذ زمن، وغيرها من الملفات.

اليساريون بحاجة لتقييم موقفهم التاريخي الذي أنتج وهنا في ترتيبهم لأولويات قضاياهم، فضلا عن اتصالهم بقاعدتهم الاجتماعية الأثيرة والاهتمام بشؤونها. كما أن الليبراليين بحاجة إلى مراجعة رؤاهم وأفكارهم في ضوء احتياجات مجتمعهم بعيدا عن الأجندات المطروحة بتمويلاتها المشبوهة.

الالتفات إلى هذه الملفات التي تحتاج لحسم لن يكون ممكنا من دون معالجة ذلك الصدام العميق والمفتعل في آن. ولعل هذا هو مصدر الإشكال والتيه الذي تحرم فيه أمتنا منذ منتصف القرن التاسع عشر، أو قبل ذلك بقليل، مصدر الإشكال أن الصدام مفتعل برغم كونه عميق. وهذا الملف سيوضح لنا كم أن هذا الصدام “عميق” و”مفتعل”.

أوهام الصدام.. وذهان المثقفين العرب ومما خلصت إليه عبر الحوار الذي تم، والذي سيتم في هذا الملف آنفا؛ لاحظت أن ثمة توهم لدى طرفي الاستقطاب، ربما بدأ الإسلاميون بالتعافي منه، على نحو ما سنرى من كتابات الغنوشي وكاتب هذه السطور، وإن بدا غيثه أيضا في مقاربات كالتي طرحها عدنان عويد والعناني.

وجوهر هذا التوهم أن العلمانية مفهوم مصمت لا يعني سوى المواجهة مع الديني على أرضية السياسة. هذا الوهم الذي قادتنا إليه بعض المقدمات محدودة الأفق في كتابات بعض آباء النهضة العربية كسلامة موسى وشبلي شميل. تلك الأوهام صيغت في فترة لم تحفل بالاتزان اللازم لتحديد موقف تاريخي صارم؛ حتى لو تم في إطار القطيعة الحداثية. فبدايات العصر الحديث في عالمنا لم تكن تعبير عن المرجعية بقدر ما كانت تعبير عن غرور قوة دولة كانت قوية؛ ثم تدهور وضعها دون أن تفطن لهذا التدهور. كما أن هذه الصياغة قادت لتكريس الصراع، عبر غسيل دماغ أحد الأطراف؛ واستنفار أقوى الطاقات لدى الطرف الآخر. ولو عاد الزمان بهؤلاء الآباء لطوروا مقولاتهم، ولعادوا عما تفوهوا به.

في أعقاب صوغ مقدمات ملف العلمانية، استنفر الإسلاميون بعضهم، وتعاطوا مع المفهوم باعتباره مفهوما نشأ لمواجهة الدين. وكرسوا كل جهودهم للتعاطي مع هذا المفهوم بالمصادمة والمكافحة، وتعبئة الجماهير خلف رفضه ورفض طارحيه. وتصوروه دوجما مكرسة لمعاداة الدين، وساعدهم على تكريس هذا الوهم وجود تيار ملحد تمسك بالمفهوم تمسكا انتهازيا؛ فأضر السياق العام دونما إحساس بأية مسؤولية اجتماعية للمثقف. وشيئا فشيئا تم تجريد الإصلاحيين من جماهيرهم بسبب هذا الخطأ التاريخي.

ولم يفكر الإسلاميون في التوقف لحظة للتعامل مع هذا المفهوم باعتباره مفهوما اجتماعيا صيغ لتحقيق وظيفة إصلاحية حيث نشأ، وأن وجوده صحي، لكنه يحتاج لإعادة تشكيل ليحقق في مجتمعاتنا نتيجة إصلاحية. وبدا تاريخيا وكأن الأتراك وحدهم هم الذين فطنوا لاجتماعية المفهوم، وقادوه لتحقيق وظيفته الحقيقية بفعالية. ولم يغضب أصحاب المفهوم في أوروبا لتجديد هذا المفهوم لأنهم أول من يعلمون أن المفهوم يصاغ لحل المشكلات وليس لإيجادها وتكريسها.

وعلى صعيد الأطراف العلمانية، نجدهم عقب صياغة مقدمات المفهوم، وقد انقسموا في اتجاهين؛ أولهما تمسك بالمفهوم كدوجما تعني رفض الدين، وثانيهما تمسك بتوجه تقليص حضور الدين في المجال العام، في الوقت الذي استأثر فيه الاستبداد والفساد في المجال. وبدا التوهم العلماني في احتياجهم لمطلق يؤسسون عليه أطروحاتهم كما للإسلاميين مطلق هو الدين. وشرع الفريقان يجردان التيار الإسلامي من كل صيغ إنجازه: أخلاقية كانت أو تمس المجال العام بترسانة من المفاهيم التي تأسست على هذا الصدام المفتعل؛ مثل العقلانية والماضوية؛ في صورة موجهة للإسلاميين وأطروحاتهم، مما قاد لمزيد من اشتعال النيران.

لا شك في أن بعض القضايا في ملف العلمانية كانت تستحق النضال، ومن بينها قضية المواطنة، لكن معالجة القضية ضمن حجمها الطبيعي كان سيتم بصورة أسرع مما لو صيغ مناخ المعالجة في إطار صراع مع الإسلام كدين. لن نطيل أكثر من ذلك، إذ اتضحت الصورة. ونترككم مع الملف وموضوعاته.

sibaradmin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *