داعش والعشائر في الجزيرة السورية مبايعات في زمن الحرية

داعش والعشائر في الجزيرة السورية مبايعات في زمن الحرية
Warning: Undefined variable $post in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81 Warning: Attempt to read property "ID" on null in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81

ISIS

في الثالث عشر من شهر تشرين الأول 2013 أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، عن مبايعة ثلاث عشائر من ريف حلب الشرقي، لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. شكَّلت الحادثة، بحسب مراقبين، “بداية تطبيق إستراتيجيةداعش للسيطرة على مناطق شرق وشمال شرق سوريا، ذات الصبغة العشائرية”.

توالت المبايعات بعد ذلك التاريخ حتى بلغت، في الرابع من تموز2014 عتبة العشرات (أكثر من أربعين عشيرة)، تزامناً مع سقوط مدن الشحيل والبوكمال والميادين بيد داعش، لتكتمل بذلك سيطرته على كامل ريف دير الزور.

رهان داعش على العشائر في إحكام سيطرته على منطقة الجزيرة السورية، نجح كما يبدو. لكن، كيف تمكَّن من فرض هيمنته على هذه الكتلة البشرية الكبيرة؟ وتغلغل في جسم المجتمع العشائري؟

 الجزيرة السورية.. خريطة عامة:

تشمل الجزيرة السورية المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية من البلاد، وتضمُّ محافظات (الرقة، دير الزور والحسكة)، على مساحة تبلغ نحو 41 % من مساحة سوريا. وتعتبر من أغنى المناطق السورية بالموارد الطبيعة الاستراتيجية كالنفط والقمح. يفصل نهر الخابور بين أقصى الشمال الشرقي حيث الأغلبية الكردية، والجزء الجنوبي والغربي من الجزيرة السورية، الذي يعتبر مناطق ثقل القبائل والعشائر العربية، ومن أكبرها: قبيلة البكارة، العقيدات، شمر، طي والعفادلة، وغيرها.

 مؤشرات الموت:

أهملَ نظام الأسد الأب ومن بعده الابن منطقة الجزيرة. وتعمَّد تهميشها تنموياً، مما زاد أوضاعها سوءاً، وتسبَّبَ بموجات نزوح كبيرة، وبحسب احصائيات (المكتب المركزي للاحصاء) لعام 2005 يشكل سكان الجزيرة حوال17% من سكان سوريا، وتضم الجزيرة 57% من الموارد المائية، كما يبلغ انتاجها من النفط 360 ألف برميل يومياً في محافظتي دير الزور والحسكة فقط، وذكرت الاحصائيات، أن إنتاج الجزيرة من محصول القمح يشكِّل أكثر من نصف إجمالي الإنتاج في البلاد. وتشير الاحصائيات “الرسمية” إلى أن وسطي نسبة الفقر في الجزيرة بلغ أكثر من 15%، في حين أن تقديرات غير رسمية تشير إلى أن النسبة الحقيقية تتجاوز40%. أما بالنسبة لمؤشرات بالتعليم، فيلاحظ انخفاض مؤشِّر الإلمام بالقراءة والكتابة بين البالغين، حتى بلغت نسبة الأمية في الرقة على سبيل المثال 39.7%.

موجات الجفاف المتتالية كان لها الأثر البالغ على المنطقة، حيث دفعت بنحو ستين ألف عائلة، إلى ترك منازلها ومناطقها، والإقامة في خيم على أطراف العاصمة دمشق والمناطق الجنوبية للبلاد. “خرجتْ حينها أصوات تطالب بإزالتنا مع الخيم التي تنعكس سلباً على مشهد العاصمة”. بحسب شهادة عبد الله، الذي أمضى السنوات “لاجئاً في بلده”، كما يقول. وأضافت ذات التقارير “الرسمية” بأن نسبة البطالة في محافظة الحسكة جاءت في المرتبة الأولى على مستوى البلاد بما يقارب 39% تلتها ديرالزور 23.5% ثم السويداء 22.4% فالرقة 21.9%.

 تعطيل النظام الاجتماعي للعشيرة:

يقول مراقبون وعاملون في الحقل الاجتماعي، أن الأسدين الأب والابن سعيا إلى تحطيم الدور الاجتماعي والسياسي للقبيلة ومنعهم من التعبير عن خصوصيتهم القبلية فأصبحوا أرقاماً في سجلات حزب البعث العربي الاشتراكي، الحزب الوحيد الممكن الانتماء له، بالنسبة لهؤلاء. “عمل النظام على إنهاء القيادة الاجتماعية للعشائر العربية وصهرها في إطار التبعية الأمنية أسوة بتنظيمات الجبهة الوطنية التقدمية والأحزاب الكردية”. بحسب محمود الناصر المعروف بأبو الحارث والذي كان يشغل منصب رئيس فرع أمن الدولة في القامشلي، ثم رأس العين، قبل أن ينشق عن النظام.

ويضيف أبو الحارث المنحدر من عشيرة الطي في الحسكة: ” أن النظام عمد إلى تقديم امتيازات اجتماعية للموالين، منها التعيين في مجلس الشعب أو الاتحادات العامة أو الإدارات المحلية”. ولعل من أبرز الأمثلة على ما يقوله أبو الحارث، شخصية محمد الفارس شيخ عشير طي، وعضو مجلس الشعب، والذي يُنسب إليه تأسيس ميليشيا “الدفاع الوطني” في القامشلي. بالاعتماد على أبناء عشيرته وأخرى متحالفة معه.

 التجويع من أجل التشيُّع:

بناءٌ أبيض باذخ يتوسَّط بيوتاً طينية متهالكة في حي الليلية الفقير بمدينة الحسكة ، تحت مسمَّى “مسجد آل البيت” والذي هو في الواقع، ليس سوى “حُسينيَّة” لنشر المذهب الشيعي. تقول تقارير إعلامية تقاطعت مع معلومات حصلتْ عليها “سمارت” بأن المموِّل الأكبر لبناء هذه الحسينية هو رجل أعمال كويتي شيعي، وبالتنسيق مع الملحق الثقافي في السفارة الإيرانية.

يقول الناشط “محمد الخلف” وهو من أبناء مدينة الرقة بأن: “الدعوة إلى المذهب الشيعي كانت متَّجهة في الغالب إلى القبائل التي تدَّعي نسبها إلى (آل البيت) وعلي بن أبي أبي طالب”. وكانت هذه الجهات، قد اعتمدت على الفرضية السابقة، لإقناع عدد من أفراد عشيرة “البوسرايا” في منطقة “الشميطية” بين دير الزور والرقة.

ويضيف محمد الخلف: “العديد من المراكز والحسينيات بدأت تنتشر في الرقة، ففي مزرعة حطين القريبة من مدينة الطبقة تم بناء مجمع الزهراء بإشراف عبدالمجيد السراوي، إضافة إلى بناء حسينية في تل أبيض”. وتؤكِّد المصادر بأن دعاوى التشيُّع كانت مرفقة بإغراءات مادية في الغالب، (من 5 إلى 10 آلاف) ليرة سورية، لاستقطاب أبناء الشريحة الفقيرة في الجزيرة خصوصاً.

داعش والعشائر:

الحال الذي وصل إليه المجتمع العشائري، متأثراً بسياسات النظام المذكورة، جعل منه بيئة هشة وسهلة الاختراق. بالتالي، وجد داعش في منطقة الجزيرة المهمشة إقتصادياً، وفي عشائرها المغيبة سياسياً، ضالته لتحقيق أهدافه من خلق تواصل جغرافي مع مناطق نفوذه في المنطقة الغربية من العراق. فعمل على تطبيق استراتيجية متعددة الآليات والمستويات، أهمُّ نقاطها:

استمالة شيوخ ووجهاء العشائر:

بدأت داعش بنسج شبكة مصالح تضمُّ شيوخاً ووجهاء عشائر ممن يطمحون للسلطة، ومنها بدأت ظاهرة المبايعات. كما حدث في بيعة الرقة الشهيرة، والتي تمت فيها مبايعة أربع عشرة عشيرة، عبر المشايخ ومندوبيهم، نذكر منهم: الشيخ حسن البريج والشيخ علي الخابور (عشيرة البريج)،الشيخ عبد الكريم الراكان (شيخ السبخة)، الشيخ مصطفى الخلف العيسى (عشيرة البوعساف)،الشيخ خليل الهنداوي الهنادة،الشيخ هويدي شلاش المجحم والشيخ بشير الفيصل (العفادلة).

وعن السبب الذي جعل تلك العشائر وأبنائها تبايع داعش، يُرجعه الشيخ عبد الباسط الخلف أحد وجهاء قبيلة “الولده” في الرقة إلى: “قلة الدعم من قبل المعارضة السياسية لأبناء العشائر، إضافة إلى الخوف على أنفسهم وأهليهم من ممارسات هذا التنظيم”.

ويقول (ع.ع) أبناء أحد الشيوخ الذين بايعوا في الرقة: “المبايعة شيء لابد منه لحقن الدماء، ففي حال عدم المبايعة سنضطرللمواجهة العسكرية ضد داعش، الذي يضم في صفوفه أبناء عشائر المنطقة في الغالب، ما قد يُفجِّر صراعاً عشائرياً”.

فيما بعد عمل التنظيم على استغلال شبكة المصالح المذكورة لنيل القبول الاجتماعي بين أبناء العشائر. كما يرى أبو محمد الفراتي وهو ناشط إعلامي: “حرص التنظيم في الكثير من إصدارته الإعلامية المسماة “صُنَّاع الملاحم” على مخاطبة أبناء العشائر عبر الشيوخ في استنهاض عصبيات معينة”.

“تنظيم” داعش في مواجهة “فوضى” الجيش الحر:

” أخطاء فادحة وفوضى كبيرة تملأ تجربة الجيش الحر في الجزيرة، بالإضافة لانتماءات متعددة عانت منها العشائر كثيراً، الأمر الذي استغله تنظيم داعش، من خلال توظيف كلّ قوته لخلق الاستقرار في المناطق التي يسيطر عليها”. هكذا وصف (ع.ع) استغلال داعش لحاجة الناس إلى الأمن. حيث فرض التنظيم سلطة أمنية حازمة، قطعت أي اضطرابات عشائرية.. حتى عُرف عن المناطق التي يسيطر عليها تمتعها بالأمن والتنظيم.

وتبدو حادثة منطقة أبيض الواقعة على الطريق بين الحسكة والرقة مثالا واضحاً، حيث عانى المسافرن على هذا الطريق من عمليات سلب يقوم بها مسلحون. حتى سيطر تنظيم داعش على المنطقة بالكامل، وقام بتأمين الطريق وملاحقة المسلحين.

الرعاية الاجتماعية:

توفير الخدمات الأساسية والرعاية الاجتماعية كان واحداً من الأدوات الفعَّالة التي اعتمدها داعش لكسب رضا أبناء العشائر في المناطق التي سيطر عليها بالكامل. فإلى جانب إعادة تشغيل المنشآت الخدمية وإدارتها، طبَّق داعش نظاماً لضبط الأسعار، وقام بمعاقبة المتلاعبين بها.

وفي خطوة أكثر “تقدماً”، يمكن الحديث عن نظامٍ للرعاية الاجتماعية بدأ داعش بتطبيقه في عدد من المناطق التي يسيطر عليها. ففي ريف الحسكة مثلاً يقدِّم أمراء داعش إعانات مالية وعينية للشباب المقبلين على الزواج، إضافة إلى المبالغ التي يمنحها داعش للمنتسبين إلى صفوفه بحدها الأدنى البالغ 30 ألف ليرة سورية.

خطاب داعش الإيديولوجي المتماسك:

يرى الباحث السوري مناف محمد: “أن داعش التي كانت أشباح أفرادها تتراءى للناس كأنها الجن لما ترتكبه من فظائع أصبحت بين ليلة وضحاها ظاهرة تحقق درجة من الرضا لدى عموم الناس هناك؛ فقد هزمت جيش المالكي وهي تربك النظام الإيراني وهي تنتصر للسنة المظلومين في العراق وتتحالف معهم ضد “الروافض” وتجتاح مع حلفائها السنة بسرعة منقطعة النظير، المدينة تلو المدينة”.

هكذا بدى تنظيم داعش كـ”المنقذ الأوحد للسنة المضطهدين في المنطقة”. ففقد دخل المنطقة محمَّلاً بخطابه المتماسك على المستوى العقائدي والتنظيمي والشعبي بآن معاً.

اللعب على الشروخات في المجتمع العشائري:

استغلَّ التنظيم الانقسامات الداخلية بين قبائل وعشائر الجزيرة، والتي أنتجها الصراع على النفط بُعيد تحرير المنطقة. كما حدث مع قبيلة العقيدات في ديرالزور، التي انقسمت بشكل حاد بين “عشيرة البكير” التي بايعت داعش و”عشيرة البو كامل” التي ينتمي أبناؤها لجبهة النصرة بشكل رئيسي. وتحت هذه المسميات تجري الحرب بين أبناء العمومة في دير الزور. وهنا تبدأ تفاعلات الثأر كما يقول الناشط السياسي “مهند الكاطع” عضو التجمع الوطني للشباب العربي والمنحدر من إحدى عشائر الجزيرة: “إن الانقسام الحاصل أساساً بين النصرة والدولة الإسلامية هو انقسام تنظيمي وليس فكري أوعقائدي، لكن هذا الانقسام فرض صراعاً انعكس على الأفراد. “والمصيبة العشائرية” بحسب الكاطع “تكمن فيما إذا عرف ذوي القتيل هوية القاتل العشائرية، الأمر الذي يعني انخراطاً مستمِّراً لمقاتلين جدد في كلتا الجبهتين بغرض الأخذ بالثأر، وبالتالي تصبح الاصطفافات في قبيلة كبيرة (كالعقيدات مثلاً) مبينة على هذا الأساس”.

الإرهاب، سمة داعش الأبقى:

جيش من الملثمين بملابس سوداء موَّحدة تتوسَّطها أحزمة ناسفة ترمز إلى توقُّع الموت في كل لحظة.. هذه الصورة النمطية التي باتت معروفة عن داعش الذي وظَّف كل قدراته الترهيبية لترويع أبناء العشائر، فطبَّق أحكاماً علنيةً بالذَّبح والصَّلب وقطع اليد في الساحات العامة. وتزخر المواقع الالكترونية بعشرات المقاطع لعقوبات نفَّذها التنظيم، وارتبط كثير هذه الجرائم بساحتي النعيم والساعة في الرقة، إضافة لاختطاف عدد كبير من شبان المدينة وناشطيها.

“فرمانات” داعش وشكل المبايعة:

بداية العام 2014 وبعد أيام من سيطرة داعش على الرقة بالكامل، أصدر أربع بيانات (يتندَّر نشطاء المدينة بوصفها فرمانات” داعش) تضمَّنتْ: فرض النقاب واللباس الشرعي على النساء وعدم الخروج إلا بمحرم.

كما منعتْ التدخين وبيعه، بالإضافة إلى منع تداول التسجيلات أو الاستماع إلى الموسيقى. و تضمنت البيانات المذكورة، قرارات بإلزام الرجال بالصلاة في المساجد وإقفال المحلات التجارية قبل الآذان بعشر دقائق، تحت طائلة العقوبات “المباشرة”.

هذا الشكل المتشدِّد والمغلق من السلوك الاجتماعي الذي فرضه داعش على البيئات الاجتماعية الخاضعة لسيطرته، تقابلها أشكال محددة ونمطيَّة مغلقة بدورها، في شكل المبايعات التي تقدمها العشائر والأفراد، وتكون المبايعة على الشكل التالي: (أبايع أمير المؤمنين، أبي بكر البغدادي، الحسيني القرشي، على السمع والطاعة، في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وعلى إقامة دين الله، وتحكيم شرع الله، وجهاد عدو الله، وعلى إقامة الدولة الإسلامية، والذَّود عنها، ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، والله على ما أقول شهيد).

داعش والعشائر، آفاق العلاقة:

سيطر تنظيم داعش على كامل مناطق العشائر العربية في الجزيرة، بإستثناء مدينة دير الزور المحاصرة حالياً، كما تتلقى البيعات على اختلافها من معظم شيوخ العشائر ووجوهها في المنطقة، لكن كيف يمكن تصور إستدامة هذه العلاقة بين تنظيم داعش بمهاجريه وشرعته الموغلة في التشدد، وبين المجتمع العشائري المتمحور حول روابط الدم ونمط الحياة البسيط؟. تناقضات اجتماعية عدة يمكن أن تعكِّر صفوَ هذا الإنسجام الذي يحاول تنظيم داعش خلقه وترويجه في خلافته الوليدة.

 نظام الإنتاج في المجتمع العشائري:

ما تزال الموارد الزراعية والرعوية تشكل العمود الفقري لاقتصاد المجتمع العشائري، ويقوم نمط الإنتاج في هذا المجتمع على مشاركة المرأة في العمل بشكل أساسي، فالمرأة في الجزيرة تمارس مختلف الأعمال الزراعية كما الرعوية، وتشكل نصف قوى الإنتاج تقريباً، ولعل في الأمر صدمة، أن يفقد هذا المجتمع نصف قدراته الإنتاجية استجابة لقوانين دولة الخلافة التي تنفي المرأة من الحيز الاجتماعي العام.

 روابط الدم والقربى تنبذ الغرباء:

جوهر المجتمع العشائري قائمٌ على روابط الدم، فالعشيرة عائلة ضخمة تعود بنسبها لرجل واحد. هذا الشكل الأوحد من الانتماء هو الذي يبني مفهوم الهوية الاجتماعية للأفراد في كل عشيرة، بالتالي فالعشائر رغم تقبلها للتعامل مع الغرباء، إلا أنها تبقى مجتمعات مغلقة في وجههم، والطريقة الوحيدة للانتماء لعشيرة ما هي أن تولد منها. يقول أبو الليث وهو من أبناء عشيرة “ارتمت” في حضن داعش، على حدِّ تعبيره: “لا يمكنني إلا أن أتنبَّأ باليوم الذي سيسألني فيه ولدي، عن هذا التونسي ضخم الجثة والملتحي، الذي يتربَّع في صدر مضافة العشيرة”.

 القضاء العشائري وحكم الشريعة:

طوال قرون اعتمدت العشائر على قضائها الخاص في حل الخلافات، وحتى أثناء حضور مؤسسات الدولة الأمينة والقضائية، احتفظت المرجعيات العشائرية بتأثيرها في حل الخلافات وإقامة المصالحات بالاعتماد على الأعراف العشائرية المتوارثة، اليوم مع دخول تنظيم داعش محمَّلاً بمنظومته التشريعية الصلبة، ثمة صراع متوقع النشوب بين الجسمين القضائيين، “وأبناء العشائر لن يمتثلوا لأحكام هيئات داعش الشرعية، إلا تحت ضغط الكثير من القوة والترهيب اللذان يتفنن داعش حالياً في استخدامهما”، بحسب أبو الليث.

 الإسلام العشائري:

يروي حميد وهو ابن عشيرة “البو معيش” بريف الحسكة ما يذكره من العام 2007 حين بُني أول مسجد في قريتهم التي كان يسكنها ما يقارب الألف حينذاك: ” كنا نشعر بالغرابة، وكان بعض شباب القرية قد بدأوا بالتندُّر على شيخ المسجد الوافد من إحدى القرى البعيدة، إذ لم يكن في القرية أحد يملك ما يكفي من المعرفة بالدين، ليصبح شيخاً”. في هذه القصة إشارة لعلاقة المجتمع العشائري بالدين. معظم عشائر الجزيرة مسلمة، سنية، أقرب إلى الصوفية “المعتدلة”. تتبنَّى ذلك الشكل الفطري من التدين، من حيث البساطة في المنظومة العقائدية التي تتلائم مع نمط حياة البدوي. ولطالما كان العرف هو ما ينظم حياة العشائر وليس الشريعة.

يوضح عمر أبو ليلى الناطق الإعلامي للجبهة الشرقية في الجيش السوري الحر “أنه وبسبب التطرف الذي يمارسه تنظيم داعش لا توجد له حاضنة شعبية بين أبناء العشائر”. ويضيف ابو ليلى في تصريح لـ “سمارت”. “محاولة داعش استمالة بعض العشائر وأخذ البيعات منها، ما هي إلا بيعات إعلامية، تهدف إلى تحييد هذه العشائر عن قتاله في دير الزور”.

وكانت صحيفة لوس انجلس تايمز الأمريكية قد نقلتْ عن مسؤول أمريكي قبل أيام، اعتقاده بأن سوريا “تتحوَّل إلى (فانا)، وهي اختصار لمناطق القبائل المدارة فدرالياً في باكستان، والتي اتخذت منها القاعدة مناطق لإدارة عملياتها”. فهل ستستمرُّ العشائر في “ولائها” لدولة البغدادي السوداء؟ أم أن العشائر التي انتفضتْ في وجه منظومة الأسد القمعية، لن تعجز عن إحراق مراكب داعش على ضفاف الفرات ودجلة.

(المصدر: سوريتنا)

sibaradmin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *