هشاشة الدولة المتصدعة

هشاشة الدولة المتصدعة
Warning: Undefined variable $post in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81 Warning: Attempt to read property "ID" on null in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81

RaymondHinnebusch

بقلم: رايموند هينبوش*

إنّ أكثر مصطلح مقبول على نطاق واسع لوصف النزاع في سورية هو «الانتفاضة السورية»، لا سيّما أنّه يبتعد من الجدلية القائمة حول ما إذا كان يجب اعتبار ما يحصل ثورة أم حرباً أهلية أم صراعاً بين القوى الإقليمية المتخاصمة، مع العلم أنّه يشمل خصائص هذه المصطلحات الأخيرة كلّها. يتطلّب فهم تعقيد هذه الأزمة النظر إلى مجموعة من الأبعاد، قليل منها يمثّل حالة فريدة لسورية، إلا أنها جُمعت مع بعضها هناك وشكّلت مزيجاً خطيراً.

ويمكن الانطلاق من البحث عن سبب الأزمة الحالية المتجذّر في الفشل في بناء دولة. وكان ربما محكوماً بالفشل على دول المشرق التي أنشأتها الإمبريالية بطريقة اصطناعية مع خرق الهويات المهيمنة لدى شعوب المنطقة. وانجذب الأشخاص المولجون في بناء الدولة نحو الممارسات الموروثة حديثاً والقائمة على مزيج بين العصبية في فكر ابن خلدون، أي تضامن النخبة المرتكز على روابط بدائية (حالة العلويين في سورية)، وبين الآليات البيروقراطية الحديثة مع استخدام الوفرة الريعية لتأسيس «عقد اجتماعي» شعبي مع الجماهير قائم على الزبونية. غير أنّ تراجع الريعية والنمو السكاني أنشآ أزمات اقتصادية فرضت ضغوطاً هائلة على هذه الدول، لا سيّما تحت تأثير الليبرالية الجديدة على المستوى العالمي بهدف الانتقال نحو ما يمكن تسميته بالحقبة التي «تلي التحرّك الشعبي» حيث تقوم الدولة، كما هو الحال في سورية في ظلّ حكم بشار الأسد، بالتراجع عن تقديم الإعانات وبتفضيل المستثمرين، الأمر الذي من شأنه إنشاء رأسمالية صديقة جديدة ومفاقمة التفاوت الاجتماعي. وساهم ذلك كلّه في بروز مجموعة من الشكاوى التي أدت إلى اندلاع الانتفاضة.

من جهة أخرى، كان المغتربون السوريون في الخارج الذين لا يملكون سلاحاً آخر سوى شبكة الإنترنت يبحثون في إمكان استخدام الانتفاضة في تونس ومصر من أجل المضي في اتجاه الإطاحة بالنظام في سورية. وأصبح التظاهر في الشارع أمراً عادياً في العالم غير الغربي فيما تلقى تشجيعاً من تمويل المنظمات غير الحكومية الغربية وخطابات الانتقال إلى الديموقراطية. ومن شأن تظاهرة مماثلة في حال ظلّت سلمية تمهيد الطريق لحصول انتقال إلى الديموقراطية في بلدان مماثلة مع العلم أنّ ظروف ذلك تتمثّل في اتفاقية بين الإصلاحيين غير المتشددين في النظام وبين المعتدلين في المعارضة من أجل تهميش المتشددين المتطرفين على الجانبين.

لماذا فشلت هذه النتيجة في سورية؟ تعدّ المؤسسة والخيارات الفردية مهمّة، ولو لم يختر بشار الأسد الردّ على التظاهرات السلمية بالعنف، أي باعتماد «الحلّ الأمني» وردّ بدلاً من ذلك بتبني إصلاحات ديموقراطية، لكان يمكن تفادي الانتفاضة. بدلاً من ذلك، عمد من خلال الوقوف إلى جانب المتشدّدين في النظام إلى تمكين المتشدّدين في المعارضة أيضاً. وحين أصبحت المعارضة قادرة على ملء الشوارع بتظاهرات متواصلة، وجد النظام نفسه في موقع دفاعي. وساهم الأسد من خلال اللجوء إلى الخطاب الطائفي ضد «الإرهاب» وزيادة حالة العنف ضد خصومه، في تحويل التظاهرات السلمية إلى نزاع طائفي عنيف.

وغطّت الديناميات المتزايدة للحرب الأهلية على إمكان حصول انتقال إلى الديموقراطية. وفي مرحلة معيّنة، حين انهار النظام، برزت معضلة أمنية تمثّلت في تشجيع التضامن الطائفي الدفاعي وتعزيز مشاعر الكره ضد «الطرف الآخر» إلى جانب اقتناع أعضاء النظام والمعارضة بأنه لا يمكن التوصّل إلى حلّ سياسي حتى لو تبيّن أنّ أياً من الطرفين غير قادر على هزيمة الآخر. وفيما بدأت الانتفاضة بطريقة عفوية، زادت القوى الخارجية التي سعت إلى الاصطياد بالمياه العكرة من حدّتها، ما حوّل سورية إلى ساحة معركة إقليمية بين هذه القوى التي تعتبر النتيجة في سورية من شأنها تغيير ميزان القوى الأوسع في منطقة الشرق الأوسط بين ما يسمى بمحور المقاومة/الشيعة والكتلة السنية المعتدلة الموالية للغرب.

أخيراً، لا تتطابق شراسة النزاع السوري مع أعراض «الحروب الجديدة» التي أعلنت عنها ماري كالدور. ففي السيناريو الذي طرحته، تعزّز الدول الضعيفة الفاعلين المتعددي الجنسيات من الدول ومن غير الدول الذين يخوضون حروب هوية وتطهيراً إثنياً، حيث يتلاشى الفارق بين المحاربين وغير المحاربين. فيما يقوم حكم أمراء الحرب بردم الهوّة الأمنية. ويساهم تدفّق اللاجئين والتمويل الذي ترسله الجالية المغتربة وتهريب الأسلحة عبر الحدود في إدخال النزاع ضمن صراعات إقليمية أوسع وفي جعل مهمّة حلّها صعبة. أما إحدى العبر التي يمكن استخلاصها من هذه القصة فهي هشاشة الدول المتصدّعة مثل سورية. إذ يسهل زعزعة استقرارها ويصعب جداً إعادة جمع مكوّناتها من جديد.

* مدير المركز السوري للدراسات في جامعة سانت أندروز – اسكتلندا. مؤلف كتاب «سورية ثورة من فوق».

(المصدر: الحياة)

sibaradmin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *