الغريب والأغرب والحكمة لمن يحتكم

Warning: Undefined variable $post in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81 Warning: Attempt to read property "ID" on null in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81

 

يحكي عن عصفور ابتل بالماء فعجز عن الطيران وجاءت رياح شديدة البرودة فأردته ارضاً، ومالبث أن تبرد جسمه لدرجة تقارب التجمد “فكر بالموت، وعجزه أمام عالمه القاسي، الذي لم يقدر ريشه الرائع، وأغمض عينيه”. وإذ ببقرة تمر فوقه وترمي وسخها، فدخل الدفء رويدا رويدا لجسمه حتى نهض من بين وسخ البقرة منفوش الريش، دافء السكينة، لكن متأفف الرائحة، ففرد جناحيه مرة تلو الأخرى “رغبه في تنظيف ريشه من الوسخ” فرآه هرّ أسود وركض نحوه والتهمه.

الحكمة في هذه الحكاية مزدوجة وهي:

أولا: ليس كل من يبول ويوسخ عليك يقصد السوء بك.

والثانية: طول ما غامرك الوسخ ليه حتى ترفع راسك، أي مهما عليت سيأتي من يقضم رقبتك، فتواضع واعرف مكانك، ولا تنسى ماضيك.

 

وهي تذكرني بحال العديد من الدول وطرق تعاطيها في سياساتها الداخلية والخارجية، ولنقدم بعض الأمثلة:

    * عندما زكت الولايات المتحدة شعب أفغانستان بنظام طالبان وابنه المدلل النحيف ذو المال الوفير واللحية البيضاء، صاحب نظرية “الولاء والبراء” كهدية لخلاص شعب افغانستان من الكفار القتلى المستعمرين…..

كانت في مجال الحكمة الأولى. لكن عندما تمادت طالبان في حماية شيخها الجليل “كرم الله وجهه، وحماه في كل حفر ومغر تورا بوا” قرروا أن يحققوا مفهوم الحكمة الثانية، فأنزلوا هداياهم المضيئة أمام دهشة الأولاد وهلع الشيوخ، وجاء العم كرزاي…

    * أما في جميع الدول العربية الشمولية الديكتاتورية فقد تحققت الحكمة الأولى، فقد أهدا شعوبهم المسكينة العم سام خلال حربه الباردة مع العم الأحمر وبتذكية من الأخير، العديد من الحكام الكرابيج الذين نشطوا نظريات القومية خلال بدايات تخلي اوروبا عنها “أوروبا منشأ النظريات القومية” من أجل تخليصهم من الاستعمار التقليدي، وفعّلوا استقلال شعوبهم ولعنوا كل أمل ديموقراطي واصلاحي لدى شعوبهم حالياً ومستقبلاً!.
    * ولعل الحكمة الثانية لم تتحقق في غالبية الدول العربية حتى اليوم، فقد حققها العم سام في العراق وبامتياز، ولكن ليبيا غيرت جميع المقاييس وقالت للبقرة وسخي كمان وكمان، ومد رأسه عصفورها بعباءته المعهودة وقال ربي يسر ولا تعسر.

 في حين استمرت بعض الدول كالسودان تناطح المجهول وتقول للهر تعا ولا تجي، والمشكلة أن الهر يحب اللعب فجاء وحتى الآن لعب، لكنه لم يقضم فريسته، كما سيفعل مع عدد من الدول العربية وربما الإقليمية.

    * وبعض الدول العربية فهمت هذه الحكمة من زمان وسعت لتطوير وضعها الداخلي والمؤسساتي، وفكرت أن لا تكون عصفوراً، فكانت حيادية قدر الامكان كسويسرا والدول الاسكندنافية، فالإمارات العربية المتحدة ذات طعم غير مميز بالنسبة للهر الأسود ، ولربما شبهها بحيوان “أبو ريحا”، الذي متى هاجمته رفع مقعدته وأطلق روائحه الكريهة، فلدى هذه الدول العديد من المؤسسات الإعلامية، وتقدم العديد من الخدمات لدول العالم، وهي لا تمانع الولايات المتحدة في أمور تقريرية مصيرية، ولديها براعة في طرق التعاطي وتلقي وسخ البقرة، فقد تجلس قربه وتغلق انفها.
    * في حين اعتمدت عدد من الدول في سياستها الداخلية ما يضيف على هاتين الحكمتين منهج التركيب والتكامل الحكماني، فهي سبحان الله مبروكة وقادة على ابتداع الحكم.

فقد تلجأ بعض الأجهزة الأمنية لاعتقال أحدهم بتهمة أنه “مثقف، أو مدعي للثقافة” وهي تهم بالغة الخطورة في بلداننا “أنت مثقف… يالطيف”. وتقرر أن تحاوره، ببعض العبارات النابية، أسوة بديموقراطية سجن أبو غريب، وفورا تخيره هنا أو ديموقراطية أبو غريب من مبدأ واحد أحد “أحلاهما مرّ”.

فإذا شتمها المثقف أو المتعدي على الثقافة ستذكره بعد اعتقاله، بالحكمة الأولى وهي: “اننا سجناك كي نحميك من أخطائك، فوسخ البقرة مفيد جداً لك، وسيتكرر شئت أم أبيت كي نحميك مراراً، فأنت ابنانا”، وإذا قررت أن تتعاون معهم، فإنهم سيحققوا الحكمة الثانية بمنتهى السهولة، فهم سينفشونك ويلمعونك كما فعل صحبنا العصفور، وعند الاكتفاء سيقطعون رأيك أو رقبتك”.

 

طبعا الأمر لا يتعلق فقط بالحكومات وسياساتها بل يتعداه للإدارات الأدنى، فإذا قرر موظف مثلاً في الحكومة السورية العمل بشكل نزيه “والنزاهة أمر نادر هذه الأيام، سيرتكب جريمة لا تغتفر، أو سيكون طفرة في التكوين البيولوجي لإدارات المؤسسات الرسمية. فإن مديره وبمنتهى البساطة سيحقق الحكمة الثانية، وينقله لمكان آخر.

 

إن هاتين الحكمتين تلخصان ماض وحاضر لمجمل شعوب العالم، فقد أثبتت الوقائع أن العصافير ومهما ازداد عددها فأنها ستبقى أضعف من الهر الأسود، وفي ذلك استذكر النشاط الشعبي الكبير تجاه معاداة حرب العراق، وعدم اكتراث القيادة البريطانية بها. وتجمعات بورتو اليغري “المنتدى الاجتماعي العالمي” في وجه منتدى دافوس “لرجال الأعمال”.

مما يجعلنا نصف العالم الآن ليس بدول غنية ودول عالم ثالث، بل هو حكام وشعوب فقط,

 والحكمة طبعا لمن اعتبر.

“صدقت حكايتي العظيمة”   

sibaradmin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *