الأكراد “يهربون من” مسعود بارزاني

الأكراد “يهربون من” مسعود بارزاني
Warning: Undefined variable $post in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81 Warning: Attempt to read property "ID" on null in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81
الازمة السياسية والاقتصادية المستمرة في شمال العراق تجبر الكثيرين من الأكراد على الهروب من البلاد. ولكن بدلاً من محاربة أسباب هذا النزوح الجماعي من كردستان العراق، يواصل الزعيم الكردي مسعود بارزاني اعتماده على المشاعر الوطنية والوعود الفارغة، وفق ما ترى الصحفية الألمانية بيرغيت سفينسون في تحليلها التالي من أربيل لموقع قنطرة الذي تسلط فيه الضوء على الأزمة السياسية والاقتصادية في شمال العراق بعد شهر ونصف من حلول عام 2016.

عندما سافر الرئيس الكردي مسعود بارزاني إلى ألمانيا لحضور مؤتمر الأمن في ميونيخ، كان قد سبقه إليها خمسة وثلاثون ألف شخص من مواطنيه. فقد شهدت الأشهر الستة الأخيرة هجرة جماعية حقيقية من كردستان. ولكن في الواقع فإنَّ الأكراد العراقيين لا يسافرون إلى ألمانيا مثل رئيسهم بطائرته الخاصة وفي “الدرجة الأولى”، بل سيرًا على الأقدام على طريق البلقان أو بالقوارب عبر بحر إيجه.

لا يهم أين يقيم المرء حاليًا في منطقة إقليم كردستان في شمال العراق، سواء في أربيل أو دهوك أو السليمانية: فالناس لا يريدون شيئًا آخر سوى المغادرة. إذ إنَّ الأكراد باتوا يهربون من بارزاني. وفي هذا الصدد أشارت بسخرية قناة التلفزيون الكردية “كيه إن إن” KNN إلى أنَّ الأسماك في البحر الأبيض المتوسط ستتعلم الآن اللغة الكردية، وعرضت قاربًا يُفترض أنَّه مليء بلاجئين من السليمانية، غرق قبالة جزيرة ليسبوس اليونانية. وقالت هذه القناة إنَّ ثلاثة وثلاثين راكبًا كانوا على متن هذا القارب قد غرقوا – وجميعهم أكراد من شمال العراق.

عندما لاحظ بارزاني أنَّ موجة الهروب من البلاد باتت ترتفع، أصدر أمرًا طال انتظاره يقضي بإعادة السيطرة على مدينة سنجار، التي كانت قد وقعت في شهر آب/أغسطس 2014 في أيدي تنظيم “الدولة الإسلامية” – أي ميليشيات “داعش” الإرهابية.

وحينها هيمن طيلة أسابيع على عناوين الصحف العالمية المصيرالمروِّع  لأهالي هذه المدينة، الذين تعتبر غالبيتهم من الإيزيديين، حيث كانوا محاصرين في الجبال من دون طعام أو ماء، وقد تم سبي النساء وكذلك قتل الرجال من قبل مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية”. وكان يدور الحديث حول عملية إبادة وأعمال قتل جماعية بحقِّ الإيزيديين. ولذلك فقد تعرَّضت قوَّات البيشمركة التابعة لبارزاني لانتقادات، وذلك لأنَّها لم تتمكَّن من حماية هذه المدينة مع سكَّانها البالغ عددهم نحو أربعين ألف نسمة.

علم وحدات حماية الشعب الكردية، سنجار. رويترز

انتصار باهت – استعادت القوَّات الكردية العراقية مدينة سنجار في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2015 من أيدي جهاديي ميليشيات تنظيم “الدولة الإسلامية”. وفي أثناء دخوله العام الماضي 2015 إلى المناطق الكردية في شمال العراق اضطهد تنظيم “الدولة الإسلامية” بصورة خاصة أبناء الأقلية الدينية الإيزيدية الذين يعيشون في هذه المنطقة: حيث تم قتل آلاف الرجال، وكذلك تم اختطاف وسبي النساء والأطفال.

دخل المقاتلون الأكراد في بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2015 هذه المدينة منتصرين، ولكن سبقتهم غاراتٌ جويةٌ شديدةٌ شنَّها الأمريكيون. وعندما وصل جنود البيشمركة السبعة آلاف وخمسمائة جندي إلى مدينة سنجار، كانت هذه المدينة بالفعل مدمَّرة تمامًا. ولم يَعُد يُشاهد فيها أي أثر لتنظيم “الدولة الإسلامية”. وفي اليوم نفسه وقف بارزاني على جبل من جبال سنجار وأعلن انتصار البيشمركة على تنظيم “الدولة الإسلامية”. وأعقبت ذلك موجة من الوطنية.

إذ لم يتم منذ فترة طويلة رفع هذا العدد الكبير من الأعلام الكردية في جميع أنحاء القلعة البالغ عمرها آلاف الأعوام في مدينة أربيل الكردية: في كلِّ مكان في الشوارع كانت تُسمع مواكب السيَّارات وهي تطلق أبواقها والأغاني الوطنية الكردية. ومثل الشمس المُشعة في وسط الأعلام الكردية، كانت تشرق أيضًا وجوه الناس، الذين تجمَّعوا في سوق مدينة أربيل ذات المليون ومائتي ألف نسمة وكانوا يحتفلون بنصر”هم” على تنظيم “الدولة الإسلامية”. غير أنَّ نشوة الانتصار لم تدم طويلاً، وصمتت الهتافات الوطنية بعد ذلك بفترة قصيرة. واليوم أصبح الكثيرون من الأكراد يحزمون أمتعتهم ويرحلون إلى أوروبا.

زيادة الاستياء من القيادة السياسية

والآن يقوم الزعيم الكردي بمحاولة أخرى من أجل الحفاظ على بقاء مواطنيه في كردستان. ففي نهاية شهر كانون الثاني/يناير 2016 أمر مستشاره كفاح محمود بأن يعلن قبيل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتَّحدة الأمريكية عن نية إجراء استفتاء على استقلال كردستان. وقال يجب على الشعب الكردي أن يقرِّر إن كان يريد دولة خاصة بالأكراد أو البقاء مرتبطًا مع العراق.

وفي الواقع وبحسب استطلاعات الرأي فإنَّ غالبية الأكراد الخمسة ملايين – الذين يعيشون في إقليم كردستان العراق – يريدون أن تكون لهم دولتهم الخاصة والانفصال عن بغداد. لكن إعلان بارزاني عن إجراء هذا الاستفتاء ليس أمرًا جديدًا. فقد وعد بهذا الاستفتاء ثلاث مرات من قبل، حينما كانت الظروف أفضل مما هي عليه اليوم. فلماذا يا ترى سيتم حقًا هذه المرة إجراء هذا الاستفتاء، مثلما يتساءل الكثيرون من أكراد المنطقة. وماذا سيتغَّر عندما يتم التعبير عن إرادة الشعب؟ خاصة وأنَّ “القياديين يفعلون على أية حال ما يريدون ولا يهتمون بالناس” – هذا هو منطق المواطنين، الذين يزداد استياؤهم من قيادتهم السياسية باستمرار.

وهكذا فإنَّ سبب النزوح الجماعي من كردستان العراق لا يتمثَّل فقط في تهديد تنظيم “الدولة الإسلامية”، على الرغم من أنَّ هذا التنظيم استقر على بعد ثلاثين كيلومترًا فقط عن أربيل وأربعين كيلومترًا عن دهوك. ومنذ عام ونصف العام – أي منذ شهر آب/أغسطس 2014 – لا تزال المواقع العسكرية مثلما هي من دون أي تغيير تقريبًا.

إذ إنَّ بلدة قرة قوش – التي كانت مأهولة في السابق بأغلبية مسيحية والواقعة على منتصف الطريق من أربيل إلى الموصل – لا تزال أيضًا في أيدي الجهاديين، تمامًا مثلما هي الحال مع بلدة تلكيف في سهل نينوى بالقرب من دهوك. وفي السليمانية يبعد الأكراد نحو مائتي كيلومتر عن دولة الخلافة. وباستثناء بعض مخيَّمات اللاجئين، التي تعكس الواقع، لا يلاحظ في السليمانية – ثاني أكبر مدينة في كردستان العراق – أي شيء من الخوف الموجود في أماكن آخرى. ولكن مع ذلك فإنَّ الناس يهاجرون بأعداد كبيرة من هذه المدينة.

مسعود بارزاني. رويترز

التمسُّك بالسلطة – يقف بارزاني منذ عشرة أعوام على رأس المنطقة الكردية، التي تتمتَّع بحكم ذاتي شبه مستقل عن الحكومة المركزية في بغداد، وتستخدم البيشمركة باعتبارهم قوَّتها المسلحة الضاربة. في شهر آب/أغسطس 2015 انتهت ولاية مسعود بارزاني البالغ من العمر 69 عامًا، بيد أنَّه يريد البقاء في منصبه رغم المعارضة، ولذلك فهو يتَّخذ من دوره في محاربة جهاديي ميليشيات تنظيم “الدولة الإسلامية” ذريعة من أجل تمديد فترة ولايته.

لا يوجد عمل ولا آفاق ولا مستقبل

الشباب الأكراد بصورة خاصة هم الذين يغادرون منطقة كردستان العراق. وحول ذلك يقولون لا يوجد لهم عمل ولا آفاق ولا مستقبل في كردستان. وبحسب قولهم فإنَّ آمال الإصلاح لم تتحقَّق، وكذلك لقد فشلت عملية دمج العائدين.

وتضاف إلى ذلك أزمة سياسية واقتصادية عميقة. ففي الأشهر الأربعة الأخيرة من عام 2015 لم يتم دفع رواتب موظفي الدولة. وكذلك تنوي الحكومة الإقليمية الكردية دفع خمسة وعشرين في المائة فقط من أجور الموظفين عن شهر كانون الثاني/يناير 2016. وبما أنَّ أكثر من سبعين في المائة من الموظفين هناك يعملون في القطاع العام، فإنَّ هذا الأمر يشمل أغلبية السكَّان. وعلاوة على ذلك فإنَّ حالات انقطاع التيَّار الكهربائي أصبحت من الأمو الاعتيادية وليست استثناء. وقد تم تجميد العديد من مشاريع البنية التحتية، كما أنَّ شركات النفط الأجنبية غادرت المنطقة، بسبب عدم دفع مستحقاتها أيضًا.

أدَّى خلاف عميق بين القيادة الكردية والحكومة المركزية في بغداد إلى وقف تحويل الأموال إلى إقليم كردستان. وبدأ ذلك مع قرار بلغ حدّ المبالغة في تقدير الذات، اتَّخذته حكومة إقليم كردستان تحديدًا قبل أربعة أعوام. وهذا القرار يقضي ببناء خط أنابيب خاص يصل إلى تركيا من أجل بيع النفط والغاز المستخرجين في كردستان لحساب الأكراد الخاص في السوق العالمية – ما يمثِّل خطوة أولى نحو الاستقلال الاقتصادي عن بغداد.

ولكن مع ذلك كان يجب على الحكومة المركزية في بغداد أن تستمر في تحويل سبعة عشر في المائة من مجمل الميزانية العراقية إلى إقليم كردستان. غير أنَّ الحكومة العراقية ربطت هذه الدفعات بمبيعات النفط المشتركة، التي لا يزال يسود حولها خلاف حتى يومنا هذا. ومنذ الحرب الخاطفة التي شنها تنظيم “الدولة الإسلامية” في صيف عام 2014، أوقفت بغداد تحويل الدفعات إلى أربيل.

احتجاجات ضد البرزاني في السليمانية  10 / 10 / 2015. Picture alliance

الاحتجاجات على الحكَّام – انتهت فترة ولاية مسعود بارزاني رسميًا منذ الصيف الماضي 2015. وفي الواقع يجب بحسب الدستور على ممثِّلي الشعب أن ينتخبوا رئيسًا جديدًا للإقليم. ولكن يبدو أن هذا الأمر أصبح غير وارد بعد. وهكذا فإنَّ أكراد العراق، الذين يحبون تصوير أنفسهم على أنَّهم روَّاد التنمية الديمقراطية، باتوا يعودون الآن إلى الهياكل السلطوية.

العودة إلى الهياكل السلطوية

من الواضح الآن أنَّ المنطقة الكردية غير قادرة لوحدها على تمويل نفسها بنفسها. فهي تعتمد بنسبة خمسة وتسعين في المائة من ميزانيتها على مصدر واحد: أي النفط. وعلى الرغم من أنَّ بارزاني كان قادرًا مع حكومته الإقليمية في الأعوام التي تلت سقوط نظام صدام حسين على ضمان الاستقرار والسلام في كردستان العراق وعلى جذب الاستثمارات الأجنبية وإنشاء قطاع عقارات مزدهر، ولكن تم إهمال تطوير القطاعات الاقتصادية الأخرى – مثل الزراعة والصناعة والسياحة – بشكل تام.

والآن تترتَّب على ذلك عواقب. ويضاف إلى ذلك أنَّ الرئيس الكردي لا يريد التنازل عن كرسيه، رغم أنَّه ملزم بذلك بموجب الدستور. وعندما طالب المتظاهرون بمزيد من الديمقراطية وبنظام برلماني، وقعت في السليمانية اشتباكات عنيفة. وإثر ذلك اتَّهم بارزاني حزب غوران المعارض بالتحريض وطرد أعضاءه من الحكومة الإقليمية. وبعد يوم منع رئيس برلمان الإقليم من السفر إلى أربيل، وبالتالي فقد جمَّد التمثيل الشعبي في إقليم كردستان. وهكذا فإنَّ أكراد العراق الذين يحبون تصوير أنفسهم على أنَّهم روَّاد التنمية الديمقراطية باتوا يعودون الآن إلى الهياكل السلطوية.

وهذه المحاولة الأخيرة مؤقتًا، الرامية إلى منع الأكراد من الهروب من كردستان، يعود سببها إلى مبادرة من تركيا، التي فرضت مؤخرًا على العراقيين شرط الحصول على تأشيرة لدخول أراضيها. ولكن نتيجة لذلك صار المهرِّبون في دهوك وأربيل والسليمانية يعرضون بالفعل طرقًا جديدة للذهاب إلى أوروبا – حتى وإن كان ذلك بسعر أعلى قليلاً.

بيرغيت سفينسون

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة  ar.qantara.de 2016

CESD

تأسس المركز عام 2003 في سوريا بجهود عدد من الكتاب والباحثين العرب، ثم توسع في نشاطه وعمله يغطي غالبية دول الشرق الاوسط وشمالي افريقيا، وفي عام 2015 بادرت ادارة المركز لاعادة هيكلة فريقها وتاسيس فريق عمل ينشط من نيويورك في الولايات المتحدة لهدف خدمة منطقة الشرق الاوسط وشمالي افريقيا The Center for Environmental and Social Development demonstrates a commitment to social justice through investigative journalism and human rights implementation. We strive to bring democratic change to the Middle East and North Africa. Emerging from a range of fields including philanthropy, political science, law, human rights, and medicine, we embrace collaboration in order to support peaceful and stable democratic movements across the MENA Region. Our efforts contribute to the foundation’s mission of creating a new culture in the region which is mainly based on the values of citizenship, democracy, and coexistence.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *