سلفية أم سلفيات .. عن التيار السلفي في سوريا وتفرعاته

سلفية أم سلفيات .. عن التيار السلفي في سوريا وتفرعاته
Warning: Undefined variable $post in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81 Warning: Attempt to read property "ID" on null in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81

Salafi

ثمة انطباع سلبيّ وصورة مسبقة لدى شرائح واسعة من المجتمعات العربية عامة، والمجتمع السوريّ خاصة عن عن مصطلح “السلفيّة”. إذ إن هذا المصطلح يشكل في الوعي الجمعي المرادف لكملة الوهابيّة. وبالطبع يتم تحميل مصطلح السلفية من جهة والوهابية من جهة وزر التطبيق والفهم الحالي للتيارات الحالي التي تحن إلى الماضي بأثر رجعي دون أن تدري –وربما تدري- أن السلفية والوهابيّة جاءت في زمانها كحركة تجديدية ضد واقع أو موروث رجعيّ متخلف.

أيًا يكن، فإن هذا الانطباع ما يزال قائما بحكم الفعل السياسي للحركات الإسلامية المحسوبة على التيار السلفيّ والتي ترفض التجديد والاجتهاد، وتصر على عناوين وشعارات قديمة تتمثل بالخلافة، وتحكيم الشرع وتطبيقة، وإقامة الدولة الإسلاميّة. وبالطبع فإن هذه العناوين بحسب الفهم السابق تتناقض مع الديمقراطيّة والدولة المدنية. فغالبية منظري الحركات السلفيّة يعتبرونها نوعا من أنوع الكفر أو الردة، وبأنها تتعارض مع الإسلام ومبادئه وأصوله.

لن نخوض في صلب هذا النقاش المتشعب والطويل، ولربما نعود إليه في مقالات أخرى ضمن هذه الزاويّة. ما نود الإشارة إليه هنا أن الاتجاه السلفي أو ما يمكن أن نطلق عليه اصطلاحا “التيار السلفيّ” ليس حركة ذات اتجاه فكريّ واحد، بل هو تيار فكريّ له مدارس وتفرعات عدة. وكغالبية الدول العربية كانت سوريا من الدول التي توطنت فيها الحركة السلفيّة بتفرعاتها المختلفة منذ نهايّة القرن التاسع عشر. ونستطيع أن نميز في سوريا بين سلفيات عدة وفق الاتيّ:

أولاً: السلفيّة الإصلاحيّة أو “المتنورة”:
وهو اتجاه برز في نهايّة القرن التاسع عشر، إذ تأثر رواده بالشيخ محمد عبدو والسلفية الإصلاحية في مصر. وهذه السلفية كانت حركة تجديدية وتنويريّة أخذت على عاتقها التصدي للمورث المتخلف الذي سببه الوجود العثمانيّ على مدى أربعة قرون في المشرق العربيّ. ولعل أبرز رواد هذه الحركة هو الشيخ عبد الرحمن الكواكبي. ويمكن تلمس النزعة والتنويريّة ضد الاستبداد في كتابه الشهير “طبائع الاستبداد، ومصارع الاستعباد”، والذي مثل نقلة نوعية وغير مسبوقة في التفكير العربي والإسلاميّ في تلك الفترة. فقد اعتبر الكواكبي أن الأمة تعاني من أزمة تطور حضاري، وأنه للخروج من هذه الأزمة لا بد من وضع معايير صحيحة لمفاهيمنا، و”أن نتفحص إمكاناتنا من خلال معرفة ما نحن مؤهلون له حتى لا نحدث خلخلة بين ما نريد وما نفعل”. كما تطرق الكواكبي في هذا الكتاب إلى مسألة التراث، وقراءته واعتبار أن القراءة التقليدية للتراث كانت سببا في أن المجتمع العربي لم يتغير تغيرا جذريا، وأن التغير الذي حصل هو في استعماله لتقنيات لم ينتجها هو، ولم يتمكن من استيعابها. إذاً، فإن السلفية الإصلاحية انصب جهدها على محاولة تغيير المجتمع، وتغيير مفاهيمه المعرفيّة، ودفعه إلى قراءة أعمق وأشمل لواقعه واستنباط مقومات نهضته دون أن يعتمد على المفاهيم التبريريّة والتفسيريّة للتراث. وعلى هذا الفهم سار رواد السلفية الإصلاحية كالشيج جمال الدين القسيم والشيخ محمد رشيد رضا والذي كان رئيسا للمؤتمر الوطنيّ السوري في عهد فيصل الأول.

وقد تفرعت عن هذا التيار في مرحلة ما بعد العهد العثماني عدة جمعيات لعبت دورا هاما في الحياة السياسية والفكريّ من أبرزها: “الجمعية الغراء” 1924، و(جمعية التمدن الإسلاميّة عام 1930، التي أسسها مظهر العظمة وبهجت البيطار).

ثانيًا: السلفية التقليديّة:
ولها تسميات عدة أيضًا (السلفيّة العلمية)، ( السلفية المحافظة)، ( السلفيّة الوهابيّة). ونسميها تقليديّة لأنها تأثرت بالمرجعيات التاريخية للتيار السلفي كابن تيمية وابن القيم الجوزية ولاحقا بالشيخ محمد عبد الوهاب. نشأ هذه الاتجاه كما هو معروف في واقع عربي وإسلاميّ طغى فيه الجانب الطقسيّ على فهم الدين، وانتشرت أسطرة الأشخاص وتقديسهم، وطلب المكرمات منهم باعتبارهم أولياء لله… الخ. وفي سبيل مواجهة هذا الواقع، حصر رواد هذه التيار فهم الدين والشريعة بالنص القرآني، والسنة، وما اتفق عليه “سلف الأمة”. وعلى الرغم من أن هذا الاتجاه حمل رؤية تجديدة بنهج ماضويّ، إلا أن تركيز دعاته على “ظاهر النص”، وقراءته قراءة ماضويّة، وانشغالهم بمسائل التكفير والردة دون غيرها جعلهم أسرى للماضي ولروايته وأحاديثه وشجونه وتفسيراته بدون مراعاة للوقائع والمستجدات.

بالعودة إلى سوريا، فالتيار السلفي التقليدي لم يكن له حضور كبير فيها قبل الاستقلال لأسباب عدة منها منافسة التيارات الأخرى، وحضور الإسلامي الحركي ممثلا بحركة الإخوان المسلمين التي بدأت تنشط منذ منتصف الثلاثينات عبرة جميعات إسلاميّة.

لكن بعد الاستقلال، جرت عملية إحياء جديدة للتيار السلفي التقليدي قادها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني وتلامذته الشيخ عبد القادر الأرناؤوط والشيخ محمد عيد العباسي.

ولد الشيخ الألباني عام 1914 في ألبانيا، وهاجر مع عائلته إلى دمشق عام 1922. نشأ في أسرة فقيرة محافظة دينيا تلتزم بالمذهب الحنفي، وبدأت رؤيته السلفية تتبلور من خلال اطلاعه على مجلة “المنار” التي كان يصدرها رشيد رضا.

وقد تتلمذ الألباني على يد بعض السلفيين الإصلاحيين أمثال محمد بهجت البيطار، وبدأ اهتمامه بالحديث النبوي مبكرا. كرس الألباني معظم وقته للعناية بعلم الحديث، وشارك في النشاط الثقافي الذي ازدهر إبان الانتداب الفرنسي من أجل الحفاظ على الهوية الإسلامية، والتصدي لعمليات التغريب الذي مارسته السياسية الاستعمارية.

بعد الاستقلال نشط الشيخ الألباني وتلامذته ضمن المعهد الشرعي في دمشق، ولعبوا دورا هاما في نشر الأفكار الوهابية من خلال الدورات والندوات التثقيفية وغيرها. وبالطبع كان رواد هذه المدرسة يتلقون الدعم من المملكة العربية السعودية التي كانت توفر لها عبر ملحقيتها الثقافية في دمشق المراجع والكتب اللازمة. وعلى الرغم من حضوره، إلا السلفية التقليدية كانت تميل للابتعاد عن العمل السياسي وتركز فقط على العمل الدعوي، وهو ما جعلها على اشتباك دائم مع جميع اتجاهات فكرية اخرى كالصوفية والأشعرية وغيرها.

وإلى جانب هذا الاتجاه، نشأت مدرسة سلفيّة أخرى تنهل من ذات المورد الفكريّ، لكنها تختلف مع التيار التقليدي في مسألة العمل والممارسة السياسيّة وهي المدرسة السروريّة (نسبة إلى مؤسسها محمد سرور بن زين العابدين) كما يطلق عليها “السلفيّة الحركيّة”. لقد كان سرور عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، انتقل إلى السلفيّة بعد إقامته في السعوديّة منذ عام 1965 قبل أن ينتقل إلى لندن ليؤسس مجلة السنة. وقد عبرت مجلته عن اتجاه جديد يجمع بين الأفكار السلفيّة في الجانب الديني، والاهتمام في المجال السياسي من خلال معارضته للأنظمة العربيّة. وقد اشتهر سرور وذاع صيته في دول الخليج العربي باعتباره أحد مؤسسي الاتجاه السلفي الحركيّ. وقد لعب كثير ممن اتبع سرور دورا هاما في الثورة في بدايتها ولاسيما في حوران، وتدلل المتابعة على أنهم كانوا أول من حمل السلاح ودعوا إليه.

ثالثًا: السلفية الجهاديّة:
وهو ” مصطلح حديث، ولا نعتبره مصطلحا علميا بل أقرب إلى أن يكون مصطلحا سياسيّا. أما عن الاتجاه الفكريّ فهو خليط ويجمع بين مدارس عدة. فقد شكل المنهج الإخواني ذو الطابع السياسي التربوي ولاحقا “الحركية القطبية” (نسبة إلى سيد قطب) القائمة على مبادئ الحاكمية، البعد السياسي الشرعي والحركي في منهج التفكير في التيار الجهادي. كما شكل المنهج السلفي التقليدي، وأفكار الدعوة الوهابية الأرضية الفقهية والعقيدية والتي قدمت الإجابة على مسائل إشكالية مثل إقامة البرهان الشرعي على “كفر” الحكام الحاكمين بغير ما أنزال الله، ولاحقا الأحكام الشرعية التي تنص على ضرورة الخروج عليهم وإسقاط شرعيتهم، وقتال أعوانهم.

يمكن القول إن البنية الفكرية للتيار الجهادي المعاصر، تتخلص في المعادلة التالية: “أساسيات من فكر الإخوان المسلمين+ المنهج الحركي لسيد لقطب + الفقه السياسي الشرعية لابن تيمية والمدرسة السلفية + التراث الفقي والعقدي للدعوة الوهابية”. أما السلفية الجهادية في سوريا؛ نشأتها ومراحل تطورها وصولاً إلى بداية الثورة فهو ما سيكون موضوع المقالة القادة في هذه الزاويّة.

(المصدر: زمان الوصل)

 

sibaradmin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *