هل هناك توجُّه لدى الإسلامين لإدخال الدين الإسلامي في البرامج التعليمية؟

هل هناك توجُّه لدى الإسلامين لإدخال الدين الإسلامي  في البرامج التعليمية؟
Warning: Undefined variable $post in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81 Warning: Attempt to read property "ID" on null in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81

studyبقلم: محمد فاعور
باحث رئيسي في مركز كارنيغي للشرق الأوسط

من المهم، أولا، عدم وضع الدول العربية كافة التي وصل فيها الإسلاميون إلى السلطة أو أصبحوا شركاء أساسيين فيها، وهي تحديدا مصر وتونس والمغرب وليبيا، في سلة واحدة. إذ أن ثمّة فروقات هامة في طبيعة الأنظمة السياسية التي تم استبدالها أو إصلاحها. كذلك تختلف مجتمعاتها في مستواها الثقافي وفي أنظمتها التعليمية والتحصيل العلمي لطلبتها، لكن مايجمع بين برامجها المدرسية مقرر في التربية الدينية.

في حالة مصر اليوم، كما في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، يدرس الطلبة المسلمون في المدارس الحكومية الدين الإسلامي، فيما يدرس الطلبة المسيحيون الدين المسيحي. وتشمل دروس الدين العقائد والشعائر والسلوكيات التي تدرّس بأسلوب التلقين والحفظ.  علاوة على ذلك، يتعرف الطالب المصري، المسلم والمسيحي معا، على جوانب عديدة من الإسلام من خلال مقررات أخرى أهمها اللغة العربية والتاريخ. مثلا، النصوص المقررة في اللغة العربية في المرحلة الابتدائية تستعين بآيات من القرآن الكريم وبأحاديث نبوية شريفة لتعليم قيم اجتماعية سامية مثل الإحسان والصدق، ولكن هناك أيضا الآيات التي تخالف عقائد غير المسلمين مثل تلك التي تدعو إلى وحدانية الخالق، والتي تتناقض مع إيمان المسيحيين بالثالوث المقدس. أما التاريخ فيركّز على الحضارة الإسلامية بجوانبها المتعددة منذ ظهور الإسلام، في حين يقتصر تاريخ الأقباط على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية. أما مقرر القيم والأخلاق الذي اعتمد ككتاب في المرحلة الابتدائية، فهو غير مطبَّق في الواقع.

في تونس والمغرب وليبيا، يدرس الطلبة في المدارس الحكومية مقررا في التربية الإسلامية يختلف مضمونه التفصيلي بين هذه الدول. لكنه ينحصر، كما في حالة مصر، في الإسلام ومنظوره من مواضيع شتى.

وتتنوع الصورة في المدارس الخاصة، ولاسيما في مصر، حسب طبيعة المدرسة. فالمدرسة الدولية العلمانية لاتدرِّس الدين. أما المدرسة المسيحية فتدرس الدين المسيحي وتطبع بيئة المدرسة وثقافتها وسلوكيات الهيئتين التدريسية والإدارية بالثقافة المسيحية، وينطبق ذلك أيضا على المدارس التي يشرف عليها إسلاميون أفراد أو جمعيات إسلامية حيث تسود الثقافة الإسلامية.

ويغيب عن برامج التربية الدينية في هذه الدول العربية التعريف بالأديان والمذاهب الدينية المختلفة عن المذهب الرئيس في المجتمع. فلا يتم التعريف مثلا بالمذهب الشيعي أو الإباضي في الدول ذات الغالبية السنية، كما أن دراسة الدين تتم بالأسلوب التلقيني من دون اعتماد البحث عن مصادر وآراء متنوعة  أو إفساح المجال للنقاش المفتوح داخل الفصل. وهذا يعني أن برامج التربية الدينية في شكلها الراهن لاتساهم في تطوير التعارف والتفاهم بين الأديان المختلفة في الدولة الواحدة أو في تعزيز مفاهيم تقبل واحترام الآخر المختلف ومفهوم التعددية الثقافية.

وليس واضحا أو محسوما حتى الآن ما إذا كانت الأحزاب الإسلامية الرئيسة في تونس ومصر تنوي تغيير برامج التربية الدينية في المدارس الحكومية لأكثر من سبب، منها أن عليها، أولا، أن تعدِّل مواد في دساتير دولها تتناول الشأن التعليمي والتربوي، ودون ذلك مصاعب ورفض من قبل أكثر من طرف سياسي وعسكري فاعل.  والسبب الثاني الهامّ أن البرامج القائمة لاتتعارض جوهريا مع أهدافها السياسية، فكل طالب يدرس دينه عند معلم من دينه، لكن هذه الأحزاب قد جرّبت في مدارس خاصة تديرها إدخال السلوكيات الإسلامية في البيئة المدرسية بحيث تطغى الثقافة الإسلامية والتوجه الإسلامي على سلوكيات المدرس وأسلوب تعامله مع الطلبة والأهل، فيشجع عند الطالب ما يعتبره سلوكا إسلاميا حميدا مثل إقامة الشعائر الدينية وبر الوالدين ويذمّ أو ينتقد ما يعتبره سلوكا مخالفا للشريعة مثل شرب الخمر والسفور للبنات وعدم طاعة أولي الأمر.  وتجدر الإشارة إلى أن الأحزاب الممثلة للإخوان المسلمين تعلن بوضوح عدم إلزام الآخرين بما تلزم به أعضاءها وأنصارها من أفكار وسلوكيات.

وقد تسعى الأحزاب الإسلامية الرئيسة إلى نقل تجربتها التربوية في مدارس خاصة إلى المدارس الحكومية عن طريق التأثير في برامج إعداد المعلمين، وفي إضافة أنشطة لاصفِية تعزز الثقافة الإسلامية في المدارس.
في حالة نجاح الإسلاميين في إدخال الدين في البرامج التعليمية، كيف يمكن الجمع بين هذا التوجه وبين تطلعات القطاعات المجتمعية الأخرى إلى تحسين وتطوير القطاع التعليمي في ظلّ مجتمع منفتح وتعدّدي؟

الإسلاميون في مصر وتونس والمغرب يشجعون اعتماد طرق التدريس الحديثة في المواد العلمية، مثل أسلوب التقكير الناقد والحوار والبحث والمناقشة المفتوحة، وبرامجهم المنشورة تدعوا إلى تدريب وتأهيل المعلمين لكي يكتسبوا الكفاءة اللازمة في هذه الأساليب. وقد طبقوا بعض هذه الأساليب في مدارس يديرونها في لبنان وربما في مصر وغيرها. وهم بذلك يلتقون مع التوجهات العالمية لجهة طرق التدريس الحديثة.  أما في تدريس الدين والعلوم الاجتماعية واللغة العربية فالإخوان المسلمون يعتمدون الحوار بمفهوم معين يستند إلى آيات قرآنية، وهذا المفهوم يقوم على الدعوة بالموعظة الحسنة والمجادلة بالحسنى. لكنه لايقبل أي مخالفة صريحة للعقيدة الإسلامية مثل الإلحاد أو الشرك.

وتجدر الإشارة إلى أن الأزهر في مصر يسعى مع الكنائس القبطية وممثلين لتيارات فكرية وسياسية متنوعة إلى إعداد مقرر دراسي يتناول القيم المشتركة للأديان السماوية، وسيكون هذا المشروع في حال إقراره أنموذجا تربويا لسائر دول المنطقة.
ماذا عن تداخل الهويتين الدينية والوطنية؟

يعتبر الإسلاميون أن الدين “مفتاح” الشعوب العربية، وأن الهوية الدينية أعمق وأشمل من الهوية الوطنية، لأنها تنطلق من تصور أوسع للحياة والكون والألوهية محوره الإنسان.  أما التعليم فهو جزء من هذا التصوّر وهو في خدمة الإنسان والمجتمع والمؤسسات. من ثمّ، فإن الأحزاب الإسلامية الرئيسة تدعوا إلى الانتماء الوطني مع التمسك بأولوية الانتماء الديني ولاسيما الإسلامي، وذلك دون إكراه غير المسلمين على الإيمان بالإسلام أو معاملتهم كغرباء عن الوطن.
ماذا عن دعوات بعض الأحزاب والقوى الإسلامية (مثلما فعل الإخوان المسلمون في مصر) إلى عدم الخوف من أي اضطهاد، بل والذهاب إلى حدّ التأكيد أنّ المواطنة شرط أساسي لأي تشريع يقدمونه؟

يؤكد برنامج الإخوان المسلمين الممثل بحزب الحرية والعدالة في مصر على عدد من المبادىء السياسية الأساسية التي تسود في المجتمعات التعددية الديمقراطية وأبرزها: (1) “ضمان الحرية لجميع المواطنين” في الاعتقاد وإبداء الرأي وتكوين الأحزاب وغيرها من الحريات، (2) “المساواة وتكافؤ الفرص” من دون تمييز على أساس الدين أوالجنس أوالعرق، (3) “التعددية السياسية”، إضافة إلى بث قيم الحوار والتسامح والمشاركة والمسؤولية والمساءلة وغيرها من القيم الديمقراطية.  لكن العبرة هي في التنفيذ، وإن الغد لناظره قريب.
كيف يمكن تطمين الأقليات الدينية، وتحديدًا المسيحيين، أنّ الأحزاب الإسلامية الصاعدة لن تعمد إلى تهميشهم والتعدّي على حقوقهم، عبر إصدار مناهج تعليمية لاتأخذ بعين الاعتبار خصوصيتهم الدينية والمدنية وهواجسهم الأقلويّة؟

في الحالة المصرية، مثلا، حيث تبرز هذه المخاوف الأقلوية، لم تكن المناهج التي طبقت في عهود ماقبل الثورة الأخيرة تراعي خصوصية الأقليات الدينية، بل كانت تفرض على كل الطلبة مفاهيم إسلامية من خلال نصوص القراءة العربية ومواضيع التاريخ والعلوم الاجتماعية.  والخوف الأقلوي في مصر بعد الثورة كما في تونس والمغرب نابع من عدم الثقة بالنوايا المعلنة والبرامج والتصريحات المنشورة للقيادات الإسلامية حول الالتزام بمبادىء التعددية والديمقراطية، بما فيها تقبل الآخر واحترامه واعتباره مواطنا متساويا في الحقوق والواجبات.

إن تجربة الثورات العربية في مصر وتونس بعد عشرات السنوات من حكم تسلطي مستقر، جديدة وغير مسبوقة. وليس واضحا حتى الآن تفاصيل مسارها، ما يجعل الكثيرين من المواطنين، من المسلمين كما المسيحيين، في حال من الخوف من مستقبل مجهول ولاسيما في ظل توجهات متطرفة لدى بعض الإسلاميين وتجارب مقلقة للأقليات في دول أخرى. ولايمكن تطمين الأقليات إلا بالتزام الإسلاميين الذين وصلوا إلى السلطة بما صرحوا وتعهدوا به قبل الانتخابات.  وعلى الفئات الشعبية كافة من الأكثرية والأقلية أن تتابع ما تقوم به السلطات الجديدة من مقترحات قوانين وتشريعات قبل الحكم لها أو عليها.  فإن وفت بتعهداتها أسست لدولة مدنية مستقرة، وإلا فإنها ستفتح بابا واسعا للصراع معها، ما قد يمنعها من الاستمرار في السلطة حتى موعد الانتخابات المقبلة.

sibaradmin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *