ولاية الفقيه… الجذور الفقهية والإرهاصات التاريخية

ولاية الفقيه… الجذور الفقهية والإرهاصات التاريخية
Warning: Undefined variable $post in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81 Warning: Attempt to read property "ID" on null in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81

WilaiatAlfaqihبقلم: هيثم خوري

النظريات كالبشرتُحمل، ثم تولد، وبعدها تنمو وتتطور، ونظرية ولاية الفقيه لا تشذ عن هذه القاعدة. لهذا لفهمها بشكل جيد، علينا دراسة تاريخ نشوئها، وسنقسم هذا التاريخ إلى قسمين: 1. الإرهاصات 2. النمو والتطور ويقع بينهماالولادة. فالإرهاصات يمكن تتبعها من المحقق الكركي (بدايات القرن السادس عشر) إلى المولى أحمد النراقي) النصف الأول من القرن التاسع عشر (، أما النمو والتطورفتمتد من المولى أحمد النراقي إلى الإمام الخميني )النصف الثاني من القرن العشرين( . سنركز في بحثنااليوم على الإرهاصات، وذلك لأهميتها في فهم أصول هذه النظرية، تاركين فترة النمو والتطور إلى ندوة أخرى بسبب ضيق الوقت، خصوصاً أن فترة النمو والتطور تستحق التوقف عندها بالتفصيل أيضاً. أ‌. نظرية “ولاية الفقيه” طفرة في الفكر الشيعي ظهرت نظرية “ولاية الفقيه”نسبياً حديثاً في الفقه الشيعي (في النصف الأول من القرن التاسع عشر)، وتتلخص في أن الولاية هي لله وحده لا شريك له، وأنه منحها للأنبياء ثم الأوصياء ثم الفقهاء، وأن للفقيه كل ماهو للنبي والإمام “إلا ما أخرجه الدليل من إجماع أو نص أو غيرهما”، وهذه الولاية تشمل “كل فعلٍ متعلقٌ في أمور العباد في دينهم ودنياهم”. وأول من تحدث بهذه النظرية هو المولى أحمد النراقي عام 1829م. وهو بذلك أول من أعطى دوراً سياسياً بارزاً للفقيه، ولكن في محاولتنا لتبيان تطابق هذه النظرية مع السياق العام للفكر الشيعي أو تباينها عنه، لابد من العودة لبعض محطات هذا الفكر. يعتبر مفهوم الإمامة العماد الأساسي للفكر الديني الشيعي، وبحسب هذا المفهوم فإن الأمة الإسلامية لا بد لهامن إمام، وذلك وفق ما ردَّ الإمام علي على الخوارج عندما رفع أتباع معاوية في حربصفين المصاحف وقالوا (لا حكم إلا لله) وطالبوا أن يحتكموا إلى القرآن، فرد عليهمالإمام بقوله المشهور، أنه (قول حق أريد به باطل)، وبأن القرآن لا يحكم بذاته بلمن خلال البشر ولا بد للرعية من إمام. وبحسب الفكر الشيعي فإن النبي محمد عيّن علياً للإمامة بالاسم والنص المباشر، وهذه الإمامة تستمر في ابنيه الحسن والحسين، وتتسلسل بشكل وراثي في ذرية الحسين، ومن المفترض أن تمتمد الإمامة إلى يوم القيامة، يوصي بها كل إمام لمن بعده، وجوهر نظرية الإمامة يعتمد على عدم جواز خلو الأمة من قائم لله بالحجة (الإمام)، وهو مشرع يتصف بالعلم اللدني الإلهي، ويوحى إليه بالإلهام، ويمتاز بالعصمة. ولكن برزت مشكلة كبيرة بعد وفاة الإمام الحادي عشر، الحسن العسكري، في سامراء سنة 260هـ. إذ إنه توفي دون أن يعلن عن وجود خلف له، فافترق الشيعة إلى أربع عشرة فرقة، بحسب ما يذكر النوبختي (عاش فينهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع الهجري) في كتابه “فرق الشيعة”،واحدة منها فقط قالت بوجود خلف للإمام العسكري، وأن اسمه محمد، وقد أخفاه والده خوفاً من السلطة، فستر أمره، وهذا ما أطلق عليه في الفكر الشيعي الاثني عشري ب”الغيبة”. تُقسَّم “الغيبة” إلى مرحلتين: “الغيبة الصغرى” و”الغيبة الكبرى”. استمرت الأولى منسنة 260هـ إلى سنة 329هـ، وهي الفترة التي كان يُقال إن الإمام الغائب يتصل فيها بالناس عبر نوابه الأربعة على التعاقب، وكانوا يُسمَّون بالسفراء أو النواب. وكان الشيخ علي بن محمد السمري هو خاتِم النواب، وتوفي سنة 329هـ. أما الغيبة الكبرى فقد بدأت بوفاة السمري سنة 329هـ ولحد الآن، حيث انقطع الإمام المهدي عن الاتصال بأي شخص حسب الاعتقاد الشيعي، ومع أن المهدي غاب عن الأنظار، ولكنه حي يرزق، وسيظهر في آخر الزمان “ليملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً”. إن أهمية فكرة “المهدي المنتظر” للمذهب الاثني عشري أنها أكملته عقائدياً، وساعدته على التماسك في وجه التحدي الذي فرضه موت الإمام الحسن العسكري دون أن يترك خليفة له. هكذا مع غياب الإمام المعصوم، ظهرت فكرة “التقية والانتظار” لظهور المهدي، فتحول الفقه الشيعي إلى فقهاً إخبارياً روائياً يرفض الاجتهاد، إذ إن الإمام المعصوم غائب، ويعلق الوظائف الدينية للدولة إلى حين ظهور “المهدي المنتظر”، إذ لا إمكانية لتحقيق الدولة الشرعية في غياب الإمام. لهذا ابتعد فقهاء الشيعة عن الحكم والتدخل في السياسة عدا تقديم بعض النصائح التوجيهية لأتباعهم، واكتفوا بالانكفاء على أنفسهم وفق مبدأ (التقية والانتظار)، أي انتظار ظهور المهدي ليعلن إقامة دولة العدل، وانتهجوا هذا النهج أيضاً ليحموا أنفسهم من ملاحقة الحكام. لكل هذا عندما أطلق النراقي نظريته”ولاية الفقيه”، والتي أقرّ فيها أن للفقيه عصمة (إذ له كل ما للنبي والإمام “إلا ما أخرجه الدليل من إجماع أو نص أو غيرهما”) وشمولية الولاية (إذ تشمل “كل فعلٍ متعلقٌ في أمور العباد في دينهم ودنياهم”)،كانت خروجاً عن الإجماع الشيعي الذي سبقه، إذاً ما الذي دفع النراقي لهذا الخروج،وما الذي سمح له بالتجاسر على فعله؟! ب‌. الإرهاصات التاريخية والفكرية لنشوء نظرية “ولي الفقيه” لما كانت نظرية “ولايةالفقيه” خروجاً عن الإجماع الشيعي، إذاً ما الذي جعل النراقي يخرج عن هذاالإجماع؟ أو بالأحرى ما الذي جعله يتجاسر بالخروج عن هذا الإجماع. للإجابة على هذاالسؤال، لا بد من العودة إلى عهد الشاهين الصفويين إسماعيل الأول (مؤسس الدولة الصفوية)وابنه طهماسب. أسس الشاه إسماعيل الأول الدولة الصفوية عام 1501م، بعد انتصاره على أسرة “آق قويونلو” التي كانت تحكم فارس آنذاك، ويمثل استلامه الحكم منعطفا مهما في تاريخ إيران، ففي عهده اتخذت إيران المذهب الشيعي الاثنا عشري
مذهبا رسميا، إذ كان الشاه من عائلة عريقة في تدينها، فأصبحت إيران ذات غالبية شيعية بعد أن كان المذهب السني هو السائد. ولنشر المذهب الشيعي في بلاد فارس دعى علماء شيعة من “جبل عامل” في لبنان، الذي كان مركز النشاط الثقافي والديني الشيعي في ذلك الوقت، للقدوم إلى بلاد فارس لنشر وتعليم المذهب الشيعي الإثني عشري. أول المستجيبين لهذه الدعوة كان “نورالدين علي بن عبد العالي الكركي”، و ذلك فيعام 1507 م (913 هجري) . نشط المحقق الكركي في تكريس ونشر الفقه الشيعي في ايران، وتولى تعيين العلماء والأئمة والقضاة في أطراف البلاد بصورة منظمة.كما نظم ارتباط العلماء بالمرجعية وجباية الحقوق الشرعية بصورة منظمة، وكنت مثل هذه الممارسات جديدة على الفقه الشيعي. والحال، لقد كان المحقق الكركي أول من مارس هذه النظرية في النظم بصورة ميدانية وواسعة، مستفيدا من إمكانات النظام والدعم السياسي والمالي الذي كان يتلقاه من قبل الدولة الصفوية . ولكن مع ازدياد نفوذه ، اضطربت علاقته بالبلاط، فغادر بلاد فارس إلى النجف في العراق، وذلك عام 1518م (924 هجري).. بعد وفاة إسماعيل الأول سنة 1524م (930 هجري)، تولى ابنه طهماسب (الأول) العرش وكان عمره 11سنة، لذلك فإن القازلباشية (وهم طبقة خاصة من الجنود)هم الذين حكموا البلاد. ولكن لما بلغ طهماسب سن الشباب، أراد التخلص من سيطرة القزلباشية، الذين كان قد أنهى لهم لتوه تمرداً، فلم يجد بداً من الاستعانة بالسلطة الدينية لهذا الغرض، فكتب إلى المحقق الكركي، يستدعيه إلى بلاد فارس ثانية ليشاركه في الحكم، ولقبه بنائب الإمام المهدي، ومما جاء في الرسالة: “. إلى من اختص بمنزلة أئمة الهداة في هذا الزمان. نائب الإمام –إلىأن قال– نأمر جميع السادة العظام. وجميع أركان الدولة الاقتداء بالمشار إليه -أي الكركي– ويجعلوه إمامهم في جميع الأمور وينقادوا له ويأتمروا بأوامره ينتهوا عن نواهيه ويعزل كل من يعزله من المتصدين للأمور الشرعية في الدولة والجيش، وينصب كلمن ينصبه ولا يحتاج في العزل والنصب إلى وثيقة أخرى”. وهكذا استخدم طهماسب الشرعية التي منحه إياها المحقق الكركي ليقوي حكمه ويضعف مناهضيه. ورغم أن المحقق الكركي لميتجاوز العام في هذا المنصب حيث قُتل على يد القزلباشية سنة 940هـ، إلا أنه أسس لقيام مؤسسة دينية في حجر الدولة الصفوية, ولعلاقة تحالف بين الحكام والمؤسسة الدينية، مما أثار جدلاً بين علماء الشيعة بين ذاهب لتأييد التواصل مع السلطة وبين مستنكر لأي نوع للعلاقة معها، وهذا الجدل مازال مستمراً حتى الآن. سقطت الدولة الصفوية على يد الأفشاريين عام 1736م، والأفشاريون هم إحدى فصائل تنظيم قزلباش العسكري الشيعي الصوفي المذهب، لهذا عمد مؤسس الدولة الأفشارية، نادر شاه، إلى فصل العلاقة بين الحكام والطبقة الدينية، وتبنى مذهباً للدولة يوفق بين الشيعة والسنّة، وذلك في محاولة منه لتخفيف الضغط عليه من الدول المجاورة التي كانت كلها سنية. بعد استلام القاجاريين الحكم عام1797م، عمل شاهاتهم لاكتساب مودة طبقة علماء الشيعة فقرُّبوهم من البلاطِ، أغدقوا عليهم؛ حتى ينالوا رضاهم ومودتهم. أما الدافع لذلك فكان شعور القاجاريين بوهن شرعيتهم الدينية والسياسية. وفي المقابل كانت طبقة العلماء الشيعة لا تمانع في التعامل مع الشاهات القاجاريين، مادام هذا التعاون يمكن حصره في حدود، ومادام موفٍ بتحقيق المصالح المشتركة. والحق أن مجتهدي الشيعة تركوا الشاهات القاجاريين يبسطون سيطرتهم على بلاد فارس، ويتولون الدفاع عنها عسكريًّا، ويؤمِّنون لها سلطة النظام والقانون. في الوقت ذاته انتزع الفقهاء لأنفسهم سلطة حراس العقيدة بما يعني تنفيذأحكام الشريعة، والتدقيق في مدى مطابقة قرارات الحكومة لنصوص الشريعة. هكذا تعزز في العصر القاجاري دور العلماء ثانية، وفي ظل هذا التعزيز عاد النقاش حول دور الاجتهاد في الفقه الديني الشيعي، فبرز في هذا المجال الشيخ الجناحي، الذي دافع بقوة عن مبدأ الاجتهاد، وجعل رتبة الفقيه المجتهد (آية الله) من المراتب الفقهية، وأن المنكر لذلك “جاحد بلسانه معترف بجنانه وقوله مخالف لعمله”، وهكذا تكرست مرجعية الفقهاء في التشريع والنيابة عن المعصوم. هكذا نرى أن فكرة ولاية الفقيه كانت خروجاً عن السياق العام للفكر الفقهي الشيعي، وأنه تم التمخض بها عبر قرون كممارسة سياسية/دينية فرضتها الظروف السياسية في بلاد فارس، ولم تدخل حيز الاجتهاد الفقهي والصياغة النظرية إلاّ في بدايات القرن التاسع عشر مع المولى النراقي، ولكن بلغت ذروتها مع الإمام الخميني. وفي ندوة لاحقة سندرس البنية الفقهية لهذه النظرية كما حددها النراقي وطورها الخميني، وسندرس كيفية خروجها إلى حيز التنفيذ منذ الثورة الإيرانية وحتى الآن.

sibaradmin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *