طائرٌ أنا لا أجدُ ديناَ للهبوط إليه !! أمي.. أمي.. أنا سني، أم علوّي ؟

طائرٌ أنا لا أجدُ ديناَ للهبوط إليه !! أمي.. أمي.. أنا سني، أم علوّي ؟
Warning: Undefined variable $post in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81 Warning: Attempt to read property "ID" on null in /customers/4/2/e/etccmena.com/httpd.www/wp-content/plugins/facebook-like/facebooklike.php on line 81

535370_433922899968159_874599991_nبقلم:  فرات إسبر

في بداية حياتي، وأنا، على مقاعد الدراسة. ما زلت أذكر أول كلمة لمفهوم الحرية التي عرفتها في نطاق عائلتي.

سألت والدي سؤالاً، إلى اليوم ما زال حاضراً في ذاكرتي.

سألته: أبي كيف نفهم القرآن الكريم؟ ونحن نخضع في قراءته لتفسيرات  مختلفة، تفسيرات أهل السنة، وتفسيرات أهل الشيعة، وكل منها يفهم، ويشرح القرآن، بمنظوره الخاص؟

أجابني ببساطة : عندما تقرأين  القرآن، فكري! ما يقبله عقلك خذيه! وما يرفضه عقلك ارفضيه !!

ومن يومها، إلى اليوم. لم أفهم، لماذا هذا الخلاف، المهين حول لله، و حول وجوده وفكرته، كونه، منزّلاً للدّيانات السّماوية الثلاث.

الحياةُ أجملٌ، من أن نناطح صخورها الصمّاء،  التي لم تجرفها التغييرات التي حدثت على سطح الارض، سواء هزات علمية أو هزات أرضية .

ولكن، هزة الحب، التي انفجرت في داخلي، قادتني، إلى أكثر من سؤال وإلى أكثر من صدمة !

الزواج، من رجل غريب: بعيد عن مجتمعي وطائفتي.

وقائع حقيقية :

في مدينة جبلة بتاريخ 25آب1986. قصدت، مع ولي أمري ،أنا البالغة العاقلة، الراشدة، ومع من اخترته بكامل إرادتي، إلى القاضي الشرعي، في مدينة ”جبلة” -مدينة تقع على الساحل السوري – لإتمام عقد الزواج ولكن القاضي، رفض إتمام العقد، لأسباب لم يعلن عنها!

وباعتقادي، أنّ القاضي، بموروثه الدّيني وبفطرته الدّاخلية، رفض هذا الزواج. وهكذا لم يكتمل العقد، بسبب اختلاف الانتماء الطائفي. إذ لم يكن هناك أي خلل في شروط عقد الزواج.

حزن والدي، وكانت له أسبابه، أفهمها، اليوم وأشعر بها.

المشاعر العظيمة لا تكون إلا من إنسان عظيم، ترفّع عن موروثه الدّيني وتجاوز الطائفة، والمذهب، ليبارك زواجي برجل من طائفة أخرى.

قال لي: لا تخافي سنذهب إلى اللاذقية.

في اللاذقية، قابلنا القاضي الشرعي، مع كافة الأوراق الثبوتية والشهود.

والمفأجاة الكبرى أن القاضي، كان من طائفة اخرى أي من طائفة زوجي “- بعكس الطائفة التي ينتمي إليها قاضي جبلة، وهي- طائفتي-، وهذا ما ساهم في تسهيل الأمور، التي تعقدت في جبلة.

وعلى باب القصر العدلي في مدينة اللاذقية، أخذني أبي بين ذراعيه، وقال لنا: أرجو من الله أن يكون زواجاً كنسياً .. !!

ضحكنا وبكينا، فالحب طار بنا، فوق الطوائف، ومن فوقٍ ننظر إليها بعيون أبي الذي ترفّع عنها، وقال: “الطائفية ستموت يوماً ما” .. !!

الدّين خنّاق الحب:

أسئلة كثيرة بدأت تنهال عليّ!!

لماذا الزواج من رجل من غير طائفتك؟

ألم تجدي في كل رجال الطائفة من يصلح زوجاً لك؟

وأصبحتُ مثلاً تضربُ به الأمثال، ويشار له بالبنان  “اللي ما بياخد من “ملتو بيموت بعلتو ”

وطبعاً هذا من أمثال العامّة يستخدمونه في حياتهم اليومية، لمن يعتبرونه  قد خرج ،على رأيهم ومذهبهم. !

فرحنا بالأولاد، وبالحبّ الذي لا يزال يقف على قدميه، وما زلت أذكر المواجهة التي تعرّض لها أهلي، وكانت إجاباتهم كحد السيف، والأسئلة التي لا تنقطع الموجّهة لأهلي، ألم تجدوا غير هذا”السني تزوجوه لأبنتكم.”

وكان الجواب دائماً:

”أفضل ما في هذا الرجل إنه سنيّ”.

وللصدق والحقيقة، خلال سنوات حياتي، التي قضيتها، وأنجبت فيها الأولاد لم يكن الدّين، رابطاً مهماً في علاقتنا، لم نتعرّف إليه كفكرة تفرّقنا.

دينُنا، الحّب والتّفاهم، وحتى في ساعات الخلافات المتوقعة بين الزوجين لم يكن أحدنا يتطرّق إلى دين الآخر.

ولقد كان “ابن عربي“ عزائي في حياتي، تعلّمت منه الحب كما تعلّمته من أبي الذي كان يردد دائماً، وما زلتُ من بعده أرددُ:

‏ “أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحبّ ديني وإيماني‏ .”

لقد عشنا حياة متقلّبة في محيطنا. كنّا بين طرفي طائفتين، لا تحملان غير، التّخلف الفكري، ولم ينجو أولادي من ثقل هذا الموروث.

كانوا، لا يفهمون، الإجابة عن أسئلة توجّه إليهم، من الأصدقاء والزّوار والمعارف:

هل أنت سني؟

أم علويّ؟

وهكذا مضت حياتي بين أولادي والمجتمع، كفراشة كلما اقتربت من الناس احترقت. ولكنني كنت أقوي نفسي، وأقول: زوجي “سني” وأنا “علوية” وهذا لا يفسد للحب قضية.

الفتح الجديد :

هنا في نيوزلندة، وجدت الطائفية على أشدها، وكم كانت رحيمة  في سورية، تجاه العرب والمسلمين، المهاجرين، من مختلف الدول. خليط بائس، من عقول وأجساد، حملت كلّ مصائبها، و حطت رحالها في بلاد الفتح الجديد، “بلاد الصليبين” كما يسمّونها، ويعتبرون، ما يتقاضونه، من حقوق ومنافع حقٌ لهم “كالجزية“ التي كان يدفعها النصارى في زمن الرسول.

هنا وجدنا الغربة الحقيقة، في نيوزلندة. الغربة الاجتماعية. فالعرب منقسمون على ذواتهم. كلّ حسب طائفته. وباعتقاده، أنه يحافظ على ثقافتة ومعتقداته في التماسك الطائفئ ، فالشيعة لهم نظامهم، والسنة، أيضاً لهم نظامهم وكل منهما حريص أن يبتعد عن الآخر وأن لا يتشاركا في ما وحّد الله ويجمع بين البشر من صيام وصوم وصلاة وكل أنواع العبادة وكأنهم على مبدأ ”فرق تسد”.

ولم يكن هذا حصراً، على المسلمين وحدهم، وإنما الجالية المسيحية أيضاً بكل طوائفها .!

ما زلت، مع عائلتي الصغيرة، غير قادرة على الانسجام مع كلا الطرفين والحق يقال هم يبعدون عنا، ولايريدون، الاقتراب منّا، أو التقرب إلينا.

ما أحوجنا اليوم إلى “ابن عربي”. ما أحوجنا إلى رسالته الإنسانية الخالدة التي حملها من الأندلس. وطار بها  فوق السّحاب، والبشر، ليوزّع الحبّ على القلوب.

ما أحوجك أيتها، الأديان المتفرقة، أن تنشدي مع ابن عربي أجمل ما قالته البشرية:

“وقد صار قلبي قابلاً كل ملة فمرعى لغزلان ودير لرهبان‏ ”

“وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن‏ ”

الطيران، فوق الأديان والطوائف والمعتقدات، هو، حلم الطيور، أيضاً تذهبُ جماعات، وتعود جماعات، في هجرتها، صيفاً وشتاءً وربيعاً. لا يهمّها إلا، العلو. هذا العلو، الذي أراه في الخالق الأعلى، الذي أعلم أولادي، الارتفاع، والسمو إليه !

المنفى ضياع حقيقي، ضياع للهوية، وللانتماء فنحن في نظر السكّان الأصليون مهاجرون وبحسب الجاليات، المسلمة، وغير المسلمة، غرباء عنها !!

وهكذا خلقت لنا الهجرة، ضياعاً مزدوجاً.

ما زالت الرّوح، في داخلي تصعد إلى  السماء. تخاطب رباً واحداً لأديان عدة، ومتعددة، ومتفرقة !!

حريتي طائرٌ منتوف الريش، سقط بأحلامه على أرض الواقع ليجد نفسه حائراً في زحف هائل من الأفكار والمعتقدات البالية التي تسيطر على الحياة وتسيّرها.

حريتي، حلمٌ قاصرٌ، لأنني لا أملك الاجابة على سؤال حقيقي يطرح عليّ: أمي .. أمي  أنا سنيّ؟ أم علوي؟

أضحك وأضحك .. وأجيبه لك أن تختار يا بني .. !!

فالإجابة مستحيلة، وقد تكون كاذبة أمام ما يتجلى اليوم في حال واقعنا العربي، من مناحرات طائفية وعنصرية وحتى عرقيّة تمتد من لبنان إلى سورية إلى العراق . !!

مهما علمنا أولادنا الطيران، ومهما علونا، وسمونا، لابد أن نسقط على صخرة اسمها “الدين” وما يتفرّع عنه من شقاق ونفاق في مجتمعاتنا العربية منها والإسلامية.

ما أحوجنا اليوم، إلى الشعور، بأهمية الحب، في الأديان.

باطنها واحد، وظاهرها واحد، ولكن فرقة النفوس والعقول، أخذتنا في مهاوي التفرقة والطائفية .

.وما زلت أومن بأن الدين هو”أفيون الشعوب” ولا بد علينا أن نتخلص من هذا المرض ونداويه بالحب، بالحب الإنساني!

أحلامي ترفرف،عالياً، عالياً، وأحمل صغاري على ظهري أرفف بهما في الفضاء.

طائرٌ أنا لا أجد ديناً للهبوط إليه .!!

وفي نهاية المطاف والحب يملؤني، أشعر بأنني على مدار حياتي، تحرّرت من عبء الدين، ومن عبء الشعور بالزواج من رجل من غير طائفتي .

أشعر أنني أقرب إلى الله، وروح الدين، التي تتمثل بابن عربي.

381056_518587838168331_1774741473_n

sibaradmin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *